واشنطن تتربص.. وطهران تخلط أوراق اللعبة
دخل ملف المواجهة القائمة بينها وبين واشنطن منعطفاً دراماتيكياً جديداً، مع إعلان طهران أنها لن تتراجع قيد أنملة عن برنامجها النووي وأنها أصبحت عشية وصول المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها النووية ثامن دولة تمتلك القدرة على تحويل اليورانيوم واستكمالها دورة تخصيبه بمقدار 3،5 % بما يسمح لها بالمضي في تطبيق برنامجها النووي بشقه السلمي.
ووسط لعبة شد الحبال التي تخفي ذاك التناقض الجذري في استراتيجيات الجانبين يبدو واضحاً أن إيران تدرك تماماً حجم الغدر والخداع الأمريكي الكامن خلف التصريحات المخففة وألاعيب الدبلوماسية، في حين تتوجس واشنطن من مغبة الخوض في مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة مع بلد لا يسهل الاستخفاف بقدراته العسكرية التي كانت آخر تجلياتها المناورات البحرية الإيرانية وما كشفته عن تقدم في عدد من صنوف الأسلحة.
ويكمن التناقض الأساسي بين سعي إيران لعدم الرضوح للابتزاز والتهديدات الأمريكية ومواجهة مشروع واشنطن في المنطقة، ومحاولة الأخيرة الاستيلاء على منابع النفط الإيرانية لاستكمال إطباقها على نفط الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من أجل مواجهة تحديات نقص مخزون طاقتها النفطية استراتيجياً وأزمتها الدولارية المستعصية التي كان آخر تجلياتها إعلان طهران عزمها على اعتماد اليورو في تسعير بورصتها النفطية بدل الدولار وهو ما يشكل ضربة قوية للعملة الأمريكية العائمة دولياً والتي تكتسب قوتها الرئيسية من كونها المعتمدة في تسعير النفط المنتج عالمياً.
وتفيد توقعات الاقتصاديين أن سعر برميل النفط سيصل إلى 100 دولار، وسعر برميل الجازولين إلى 4 دولارات في الولايات المتحدة مع تصاعد حدة الأزمة بين طهران وواشنطن وهو ينذر بأزمة طاقة عالمية، وبحالة من الركود الاقتصادي العالمي. والمعضلة أمام واشنطن وحلفائها أن القيام بعمل عسكري طويل الأمد ضد إيران سيتسبب إلى جانب ارتفاع أسعار النفط في التأثير سلباً على الأداء الاقتصادي في أوروبا واليابان، كما سيؤدي أيضاً إلى زيادة إبطاء الاقتصاد الأميركي الراكد أصلاً بصورة خطيرة.
ولذلك فإن واشنطن التي تدرك هذا الوضع تسعى لوضع يدها على كل منابع النفط في مناطق الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى من أجل التحكم بتدفقه وبأسعاره لخصومها وحلفائها في أوربا وروسيا والصين واليابان.
وإذا كانت هذه بعض ملامح التناقض في لوحة عالمية وإقليمية أكثر تعقيداً فيبدو مفهوماً لماذا يسير الطرفان على حد السيف في التصعيد المتبادل بينهما ويحشدان قواهما للمواجهة المرتقبة، ولكن الفرق أن طهران تقوم بذلك بوضوح منطق المقاومة والرفض في حين أن واشنطن تلجأ للمناورة والضغوط وسط مساع لإشراك حتى حلفاء طهران في المنطقة والعالم فيها مع إرسال رسائل متناقضة بين التحذير والتطمين إليها بما يغاير النوايا الأمريكية المكشوفة.
أركان الإدارة الأمريكية وفي مقدمتهم بوش قالوا إن الولايات المتحدة ستواصل جهودها مع الأسرة الدولية لمعالجة مسألة الطموحات النووية الإيرانية بالسبل الدبلوماسية، ولكنهم رفضوا في الوقت نفسه الخوض في التعليق على الخيار العسكري المحتمل ضد إيران حيث قال بوش عن ذلك هو مجرد تكهنات، في إشارة إلى تقارير إعلامية أمريكية تحدثت عن وجود مخطط أمريكي سري لضرب البنى التحتية للبرنامج النووي الإيراني.
وعلى صعيد مواز نفى وزير الخارجية البريطاني وجود هذا المخطط معترفاً في الوقت ذاته أنه لا يمكن التأكد من النيات الإيرانية المتصلة بالأسلحة النووية، ووصل به أمر المراوغة إلى حد القول إن "مجرد فكرة توجيه ضربة عسكرية ضد إيران هو جنون كامل".
غير أن تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ايهود أولمرت من أن إسرائيل ستقف خارج أي نزاع عسكري بين واشنطن وطهران يشير بالطبع إلى وجود هذا المخطط، الذي أكدت صحيفة واشنطن بوست ومجلة نيويوركر الأمريكيتين نقلاً عن محللين ومسؤولين أمريكيين أن وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) درستا أهدافا محتملة للضربات بينها مصنع تخصيب اليورانيوم في نتانز ومنشآت تحويل اليورانيوم في أصفهان، على أن تكون الضربات الجوية قوية ومتواصلة.
وبينما قال أحد القادة العسكريين المتقاعدين إن بوش يأمل أن يتسبب الهجوم الجوي على المواقع النووية والعسكرية داخل إيران في هز النظام الحاكم في إيران ويشجع الشعب على التحرك ضده، أوضح مصدر آخر أن الولايات المتحدة لديها بالفعل وحدات سرية على الأرض في إيران تعمل على "إثارة توترات عرقية" بهدف زعزعة استقرار الإدارة في طهران، على الرغم من تحذيرات مسؤولين عسكريين أمريكيين كبار من مغبة شن أي عملية عسكرية على مواقع نووية في إيران بسبب قدرتها على الرد الانتقامي بوسائل عدة، تبدأ بشن هجوم على إسرائيل وتنتهي بوقف تسليم شحنات النفط والغاز.
طهران ردت أن المعلومات عن ضربات أميركية محتملة لها تندرج تحت إطار "الحرب النفسية الناتجة من غضب الولايات المتحدة وعجزها". وأضاف المتحدث باسم الخارجية حميد رضا آصفي "إن إحالة ملفنا على مجلس الأمن لن يدفعنا إلى التراجع، وخلال 27 عاما تعرضنا لعقوبات اقتصادية ورغم ذلك حققنا تقدما اقتصاديا وتقنيا وعلميا"، موضحاً أن زيارة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً إلى المنشآت النووية الإيرانية روتينية وتندرج في إطار معاهدة الحظر النووي، وليست مرتبطة بإعلان مجلس الأمن".
وذكر آصفي أن الأمريكيين لا يريدون تسوية للملف النووي الإيراني وحمل الأميركيين مسؤولية إطالة أمد الأزمة، وقال "إنهم لا يرغبون أن نتوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأوروبيين"، الذين كان آخر ما صدر عنهم هو تلويح باحتمال منع المسؤولين النووين الإيرانيين من دخول أوربا في محاولة أخرى للضغط على إيران وعزلها.
في المقابل يقول بعض المراقبين إن إيران ستتضرر في كل الأحوال حتى من ضرباتها الانتقامية رداً على أي اعتداء عليها على اعتبار أن ذلك سيصيب أيضاً قطاعها النفطي الذي يمد ما نسبته 40% من واردات خزينتها. ويضيف آخرون إن إبداء إيران بعض الليونة من قبيل القبول ببعض إجراءات الرقابة من شأنه أن يعمق خلافات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن, وتعزيز قناعة الصين وروسيا الرافضتين بأن لا داعي لفرض عقوبات على إيران في الوقت الراهن.
ومع استمرار الضغوط على إيران كي لا تمتلك التكنولوجيا النووية بما يعيق استمرار المخطط الأمريكي الذي يستهدف حلفاء واشنطن بعد خصومها، أكدت دراسة حديثة حول كارثية تهديد الإرهاب النووي, والخطوات اللازم اتخاذها لتفاديه, أن هناك قرابة 27 ألف قطعة نووية ضمن ترسانات ثماني دول هي: بريطانيا, الصين, فرنسا, الهند, إسرائيل, باكستان, روسيا, والولايات المتحدة الأميركية.