مقال جديد فصل جديد في مسار إسرائيل الصهيونية
اعتدنا على الأسلوب الإسرائيلي الذي يقنص اللحظة ليطرح توجهات جديدة أكثر عدوانية، وفي كل الحالات يحافظ قادة إسرائيل على استمرارية جهدهم لتفتيت القوى الفلسطينية وتقوية نزعات العجز وتكريس السير وفق أوراق الحقيبة الإسرائيلية.
وقد أصبح من البدهي أن العزف على أن لا سبيل أمام الشعب الفلسطيني إلا الذهاب لاستئناف المفاوضات، هو بحد ذاته ما تريده حكومة نتنياهو رغم أن المفاوضات فشلت فشلاً ذريعاً، وغير مسبوق في سائر مراحل التفاوض قديمها وحديثها، وأضحت الدعوة للمفاوضات تعني ضماً لأراض جديدة.
لقد قررت القيادة الفلسطينية التوجه إلى الأمم المتحدة كي تأخذ موافقة الجمعية العمومية على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ولو تمتعت إسرائيل بشيء من الجدية إزاء السلام، لما بدأت بالرد على ذلك بهجوم صهيوني لم يتوقف عند بناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائم منها، وتنفيذ إجراءات متنوعة لإتمام تهويد القدس، بل أضافت إيقاف تحويل مستحقات السلطة المالية، وطالعنا وزير خارجيتها وغيره بمد صهيوني جديد يبدأ بإعلان ضم أجزاء من الضفة إلى «دولة إسرائيل»، ولم يكن ذلك التهديد مزاجاً شخصياً أو زلة لسان، بل هو ما استمرار لما بدأه نتنياهو وغيره من غدر بالفلسطينيين لإحكام الطوق حول مساحات من الأراضي غير المتواصلة، ليتحقق شعار «إسرائيل» المعروف بعدم السماح بقيام دولة بين الأردن وإسرائيل، وعزل الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية عن المحيط العربي.
وباشرت إسرائيل حملة دبلوماسية على المستوى الدولي تحت حجة تأمين عدم التصويت على المقترح الفلسطيني، رغم أنها تدري أن الجانب الفلسطيني أبلغ مراراً بالفيتو الأميركي وأضاف أوباما ضغوطه وتهديداته التي تضمنت قطع المساعدات المالية، وتدري إسرائيل وأوباما نجاعة ذلك في ظروف أحجام الدول العربية عن أن تكون بديلاً عن المساعدات الأميركية.
إن أخطر ما حققته إسرائيل هو موقف رئيس الوزراء الفلسطيني ومؤيديه، حيث نحوا للمطلب الأميركي الصهيوني، ووافقوا على مفاوضات دون إيقاف الاستيطان.. وتخلوا عن أي «شرط» انسجاماً مع موقف نتنياهو، ويشكل ذلك استسلاماً للعجزية وتخريباً للساحة الفلسطينية ونشراً لليأس. ناهيك عن أن الهدف هو إحكام وضع لا يسمح نهائياً بإقامة دولة ولا يوفر أية حاجة أو ضرورة لسلطة فلسطينية.
التقطت الصهيونية وإسرائيلها اللحظة لتبديد الخوف من المستقبل، وتحجيم هاجس آفاق ثورات الشعوب العربية، فالأوضاع التي تتكون ونضج دور الجماهير الشعبية، رغم أعمال التخريب، ورغم العراقيل والكوابح، تؤدي إلى حالة جديدة على الساحة العربية، ولن تجدي المحاولات كافة لإبقاء مصر خارج مصالحها الوطنية والقومية، وتقرأ «إسرائيل» جيداً مغزى تكرار تعطيل أنبوب الغاز الذي ينقل عبره الغاز المصري إلى «إسرائيل» ونرى فيه رسالة واضحة في أبعادها ومضمونها ناهيك عن أن المقاومة أصبحت أكثر قوة كما تعززت سمعة الشعوب العربية وزادت عزلة «إسرائيل» وأخذت دول بمبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
«إسرائيل» تهرب للأمام مدركة أنها أضحت بلا عمق، وأن أعمالها العدوانية ستتحول لاحقاً إلى عوامل إضعاف لها، وتدفع الشعوب جدياً إلى مختلف أشكال النضال التي بدأت ملامحها في ذكرى النكبة وذكرى النكسة.
تجد «إسرائيل» أن اللحظة الراهنة مناسبة لمزيد من عدوان يحقق نوعاً من التعويض المعنوي ويقلل من شدة المخاوف التي تتعمق في الأوساط الإسرائيلية، وتدرك أن الفرصة مناسبة لذلك العدوان الذي أخذ مظهره في الجولان بتشديد القبضة الإسرائيلية على أهالي الجولان وإقامة بدايات لجدار على الحدود الحالية بعد احتلال الجولان.
نعم، «إسرائيل» التقطت أهمية الوضع السوري لها وتعمل على التخريب في مستويات متعددة وتسعى إلى أن يتحول الوضع إلى حرب أهلية وجاء أحد أنشطة الصهيونية في باريس مثالاً قاطعاً على ما ترمي إليه الصهيونية، وقد وجدت ضالتها في بعض قياديي الإخوان المسلمين الذين حضروا لقاء بباريس نظمته ودعت إليه المنظمات والشخصيات الصهيونية في فرنسا ساركوزي التي تهتم بكل ما يعمق الشروخ الاجتماعية في سورية، ويزيد من غزارة الدماء ويؤدي إلى تدويل المشكلة السورية، وينتهي إلى تقسيم سورية بهدف ضياع الجولان المحتل ودمجه بـ«إسرائيل».
إن يهودية الدولة، تلك الموضوعة الصهيونية العنصرية تطرح ضروراتها السياسية وتحتاج إلى تشكيل عوامل توتر دائم في الأوساط الصهيونية وداخل إسرائيل، وذلك هو أساس المناخ الذي يدفع نحو أقصى درجات التلاحم الداخلي ويخفف من حدة الانقسامات الاجتماعية، إنه المناخ الضروري لاستمرار سياسة العدوان وإستراتيجية الانتقال من طور إلى طور عبر تجييش دائم للمجتمع وتوسع جغرافي وتحفيز دائم للمؤسسات والشخصيات الصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة.
سقط قادة من الإخوان المسلمين في شباك الصهيونية وحضر ملهم الدروبي المكلف بالعلاقات الدولية من رياض شقفة، حضر الاجتماع الصهيوني بكل مفرداته وكان قد دعا إلى ذلك الاجتماع أحد عتاة الصهيونية في فرنسا وهو برناردو ليفي، وقد صرح ممثلهم رياض شقفة قائلاً «نشارك في جميع الأنشطة والندوات المؤيدة للشعب السوري بغض النظر عمن يقوم بها أو ينظمها» ومن البدهي القول إن ذلك لا يمكن إسناده إلى نص ديني، إنما يجد أساسه في براغماتية مبتذلة لا تتورع عن التضحية بالوطن.
لا غرابة في سقوط قادة من الإخوان في سراديب الصهيونية، خاصة وأن «إسلام» أردوغان أخذ يفعل فعله في جماعة رياض شقفة، لكن ذلك الفعل ليس باتجاه صيانة وطنية للداخل السوري أو مبادرات تحول دون مزيد من تأزم الوضع الداخلي السوري، إنه قبل كل شيء إقامة جسور تواصل مع المنظمات والشخصيات الصهيونية التي لابد من صداقتها لإنضاج عناصر الزعامة العثمانية الجديدة. إن دعوة قادة من الإخوان المسلمين للديمقراطية والإصلاح السياسي لا يماثلها إلا لهفة الإدارة الأميركية وساركوزي على إنصاف الشعب السوري وتأمين حرياته الديمقراطية، وقد تضمن تاريخ سورية صفحات دالة على أن الديمقراطية تكون المناخات والعوامل الوطنية التي تضعف التيارات السياسية الدينية، وتفضح اتجارها بالدين وطرائق تضليلها وخيوط ترابطها مع الإدارات الامبريالية، وتؤمن المناخات الوطنية القوية التي تزيد من قدرات الوطن على مواجهة الاحتلال وقطع الطريق على التدخل الأميركي الصارخ بالشأن السوري. إن أنجع رد وطني هو سحب البساط من تحت أقدام ساسة الإمبريالية.. إنه التدابير الناجعة والسريعة التي تؤمن الحريات الديمقراطية وتفتح صفحة جديدة لفعل العلاقات السياسية الوطنية، وتأمين جميع متطلباتها الدستورية والقانونية والمبادرة إلى محاسبة طغم الفساد واستعادة أموال الشعب وإلغاء كل ما ارتبط بذلك من تدابير واتفاقات وخصخصة.