ذوالفقار ضاهر ذوالفقار ضاهر

المحكمة الدولية.. منظومة باطلة منذ نشوئها حتى قراراتها

كثيرة هي الشبهات التي أحاطت ولا تزال بالمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فمنذ ما قبل نشأتها حامت الشكوك ودارت التساؤلات حول قانونية هذه المحكمة ومدى دستورية وشرعية الأساس الذي قامت عليه كل هذه المنظومة المسماة «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان» التي شغلت دوائر القرار في العالم وكذلك كلّفت لبنان الكثير من التبعات السياسية والمادية والأمنية، حتى بات لبنان بمؤسساته الرسمية والقضائية وقوانينه وأنظمته أداة طيعة تماماً بأيدي المحكمة وقضاتها ومحققيها.

لكن من يريد معرفة قانونية عمل المحكمة والعدالة التي تنشدها، وسلامة الأحكام والقرارات التي تصدر عنها، ومنها القرار الظني الذي بات حديث الساعة في هذه الآونة في توقيت صدوره ومضمونه، عليه التدقيق في الأساس القانوني لإقرار المحكمة الدولية، وهل أصل وجودها شرعي طبقاً للدستور والقانون في لبنان؟ وكيف يمكن التسليم بشرعية ما يصدر عن محكمة بالأصل مشكوك بشرعيتها وقانونيتها؟ 

والسؤال هو هل الأساس الذي نشأت المحكمة الدولية عليه قانوني؟ وهل الطريقة التي أرسلت فيها المحكمة إلى مجلس الأمن (من دون عرضها على مجلس النواب ومن دون توقيع رئيس الجمهورية اللبنانية عليها) تعتبر طريقة قانونية؟ وما الوصف القانوني لما يصدر عن محكمة غير شرعية؟ وفيما لو اعتبرت المحكمة الدولية غير قانونية وغير دستورية وغير شرعية، كيف يمكن توصيف ما يصدر عن هذه المحكمة من قرارات وأحكام وفي طليعتها القرار الظني؟ 

جوني:

إنشاء المحكمة الدولية ينتهك سيادة لبنان ودستوره

حول هذا الموضوع، أكد الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني أن «طريقة نشوء المحكمة الدولية والطلب الذي تقدمت به الحكومة التي كانت قائمة آنذاك برئاسة فؤاد السنيورة من الأمم المتحدة تشكيل محكمة دولية للنظر بجريمة وقعت على أرض لبنان وضحاياها لبنانيون ينتهك سيادة لبنان ودستوره خصوصا المادة 20 منه (حيث تطلب السلطة التنفيذية من جهة أخرى ممارسة سلطات القضاء)»، ولفت إلى أنّ «الطلب نفسه يتضمن تخلي لبنان عن السيادة وخرقاً للدستور وخصوصاً مبدأ الفصل بين السلطات».

وتساءل جوني «هل كانت الحكومة في لبنان التي كان يترأسها فؤاد السنيورة شرعية أو قانونية، وهل لها أن تطلب من الأمم المتحدة أمراً بحجم إنشاء محكمة دولية تتولى القضاء في جريمة هي بالأصل من اختصاص القضاء اللبناني بما يعني أنه يتضمن التدخل في شؤون لبنان»، واصفاً «مثل هذا الطلب بأنه عار بحق لبنان».

وقال جوني في حديث لموقع قناة «المنار» الالكتروني إنّ «كل بلاد العالم تتمسك بسيادتها وقرارها المستقل خصوصا بسيادة القضاء، وحتى تحت الاحتلال يبقى القضاء مرتبطاً بالسيادة بحسب القانون الدولي»، (..) ولفت جوني إلى أن «هناك علامات استفهام حول فكرة إنشاء المحكمة وعلى طريقة إنشائها خصوصاً أنّ المادة 52 من الدستور اللبناني تنص فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية على ضرورة موافقة مجلس النواب عليها وإطلاع رئيس الجمهورية عليها بعد أن يتوكل هو شخصياً بعملية التفاوض قبل توقيعها»، ولفت إلى أن «وجود المحكمة الدولية يشكل انتهاكاً للدستور وخصوصاً لمبدأ الفصل بين السلطات ولصلاحيات رئيس الجمهورية وللأعراف الدولية (القانون الدولي يوجب موافقة مجلس النواب على كل المعاهدات الدولية التي ترتب التزامات مالية وغيرها على الدولة)»، وأشار إلى أن «مجلس الأمن عندما أنشأ المحكمة بالقرار 1759 اعترف وأقرّ (في ديباجة القرار) أنه قام بذلك لوجود ولحصول خلاف دستوري في لبنان»، مستغرباً «كيف يقبل أي لبناني أن تنشأ بهذه الطريقة وحصول مخالفة دستورية بهذا الحجم». 

«لا يوجد دولة قبلت بالقضاء الدولي بصورة مطلقة كما فعل لبنان»

وأوضح جوني أنّ «المحكمة الدولية تشكل مفارقة على الصعيد الدولي. فليس من دولة قبلت بالقضاء الدولي بصورة مطلقة كما فعل لبنان على أيام حكومة السنيورة»، وأشار إلى أنهّ «عندما تشكلت محاكم دولية بشأن رواندا ويوغسلافيا السابقة، لم يوافقا عليها بل أن رواندا كانت عضواً في مجلس الأمن في وقت التصويت وصوّتت ضد القرار».

وأشار الخبير القانوني إلى أنه «في كمبوديا، عندما أنشئت محكمة دولية للبحث في قتل مليون ونصف مليون إنسان هناك، رفضت كمبوديا تشكيل محكمة دولية خالصة وبقرار دولي، بل أنشأت هي هذه المحكمة بقرار ملكي بعد موافقة جميع السلطات هناك من مجلسي النواب والشيوخ ومجلس النواب وحتى بعد أخذ رأي المجلس الدستوري هناك»، سائلاً «لماذا لم يحصل ذلك في لبنان».

ولكن رغم كل هذه المخالفات القانونية والدستورية لا تزال المحكمة الدولية قائمة وتمارس أعمالها وتلقى الدعم والتأييد من الدول الغربية والعدو الإسرائيلي وعدد من الدول العربية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقة وراء إنشاء هذه المحكمة غير الشرعية وغير القانونية؟

جوني:

النية من وراء إنشاء المحكمة الدولية ليس معرفة الحقيقة بل استهداف لبنان ووحدته الوطنية

ولفت جوني إلى أن «المحكمة الدولية أنشئت بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع وهو لا يلزم سوى لبنان دون أية دولة أخرى. وهنا مكمن الخطر في هذا القرار خصوصاً أن الدول الغربية و«إسرائيل» رفضوا التعاون مع المحكمة»، وأكد أن «هذا الأمر منذ البداية بيّن أن النية من وراء إنشاء المحكمة الدولية لم يكن معرفة حقيقة من قتل الرئيس الحريري ورغم أنها من الجرائم الخطرة التي أدت إلى استهداف لبنان والوحدة الوطنية فيه كما استهداف المنطقة كلها تنفيذاً لمخطط صهيوني لضرب الوضع في المنطقة».

وتوجه جوني بالسؤال إلى قضاة المحكمة الدولية والقانونيين العاملين لها ولكل من نظّر لإيجاد المحكمة والسير فيها بهذا الشكل «كيف تنشأ محكمة بهذا الشكل وبهذه الظروف وبهذه الطريقة في بلد غير قادر على إقامة مباريات لكرة القدم بحجة عدم إثارة النعرات الطائفية»، وأضاف «كيف سنسمح لنفس الجمهور أن ينظر للشاشات لرؤية محاكمة في مقتل الرئيس الحريري والاتهامات الباطلة توجه إلى طائفة كبرى في لبنان ولشخصيات حساسة ومعينة من هذه الطائفة فكيف سيكون وضع البلد في ذلك الوقت»، وأكد أنه «من خلال المحكمة الدولية والطريقة التي نشأت فيها هناك تحضير لحرب أهلية في لبنان».

أما وقد استمرت المحكمة بعملها فكيف يمكن التعامل معها ومواجهة الأحكام والقرارات الباطلة التي ستصدر عنها والهادفة لبث الفرقة والفتن بين اللبنانيين؟ 

جوني:

على الحكومة اللبنانية مجابهة المحكمة والطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة تعديل نظامها

حول هذا الموضوع أوضح جوني أن «المادتين 18 و20 من نظام المحكمة الدولية يسمحان للبنان أن يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تعديل النظام ويمكن بعد ذلك إضافة بند لإجراء المحاكمات في لبنان وإعادة تعديل كل نظام المحكمة». ونبه أن «الوضع خطير»، وحمّل «حكومة السنيورة مسؤولية الحرب الأهلية إن وقعت بسبب هذه المحكمة ومسؤولية الشحن الطائفي الحاصل في البلد».

ودعا جوني الحكومة الحالية في لبنان إلى «وضع خطة كاملة لمجابهة هذه المحكمة»، ولفت إلى أن «على الشعب اللبناني كله تقبل ذلك وعليه أن يعرف أنّ هناك شيئاً خطيراً جداً يُحضَّر للبنان»، قائلاً «يجب أن لا نأتي بالذئب، أي أمريكا وإسرائيل، إلى دارنا» وشدد على «ضرورة التعاون بين جميع الأفرقاء في لبنان لتخفيف الحقد اتجاه الدول العربية الشقيقة»، وختم قائلاً أنّ «مقتل الرئيس الحريري هدف إلى إنشاء فتنة في لبنان وضرب العلاقات مع سورية والمستفيد بالتأكيد إسرائيل وأمريكا». 

حدادة:

توقيت صدور القرار الظني سياسي ولا نثق بالمؤسسات الدولية التي تسيطر عليها أمريكا

وحول عدم شرعية القرارات التي ستصدر عن المحكمة الباطلة، استصرحنا رئيس الحزب «الشيوعي اللبناني» خالد حدادة الذي اعتبر أن «لا مجال لقراءة احتمالات صدور القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري السابقة والحالية واللاحقة إلا بتوقيت سياسي كما كل استحقاقات المحكمة الدولية»، ورأى أنّ «القرار الظني سُحِب من التداول حين كان الوضع السوري بقمة الاضطراب في المرحلة الماضية وعاد إلى الواجهة بعد أن بدأ الوضع السوري يتّجه لحوار حقيقي تشارك فيه المعارضة الوطنية السورية».

وشدد حدادة في حديث لموقع المنار الالكتروني على «الموقف الرافض للمحكمة الدولية والقرارات الصادرة عنها»، وأضاف أن «موقفنا واضح منذ البداية، فنحن قلنا بالفم الملآن إننا لا نثق بالمؤسسات التابعة للأمم المتحدة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية وطالبنا بمحكمة عربية لبنانية مشتركة وأعربنا عن عدم ثقتنا بجدوى ربط لبنان وتدويله بالمؤسسات الدولية بكلّ نواحي حياته من الألف إلى الياء». 

حدادة:

انعكاسات القرار الظني على لبنان مرهونة بمدى نضوج التآمر لإحداث فتنة مذهبية فيه

ودعا حدادة «اللبنانيين إلى تحييد أنفسهم عن أي سيناريوهات معينة قد تتبع صدور القرار الظني»، وشدّد على «وجوب أن يعمل كلّ اللبنانيين لحالة وطنية تحصّن البلد من هكذا احتمالات»، وحذّر من «احتمال حصول انعكاسات لهذا القرار على الساحة اللبنانية»، فيما رأى أن «طبيعة هذه الانعكاسات تبقى مجهولة بانتظار رؤية مدى نضوج التآمر على حدوث فتنة مذهبية معيّنة في لبنان».

من الثابت في القانون أن «ما بني على باطل فهو باطل»، فلا يمكن تأسيس العدالة على أسس باطلة ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة من خلال إتباع طريق الغش ومخالفة الحق والقانون، وبالتأكيد كما رُفضت المحكمة الدولية غير الشرعية في كل مراحلها، فسوف لن تُقبل أحكامها وقراراتها الفاقدة للشرعية ولو وقف معها كل العالم، لأنّ الباطل لا يتحول حقاً إذا ما نال أكثرية معينة من دول أو أشخاص، والحق لا يصبح باطلاً إذا ما تُرك وحيدا أو قل الناصر والمعين في زمن تُزوّر به الحقائق وتُطمس به الحقوق. 

■ نقلاً عن موقع المنار

آخر تعديل على الإثنين, 17 تشرين1/أكتوير 2016 23:24