في الذكرى الستين لاحتلال وطنهم... الفلسطينيون أكثر إصراراً على العودة

خاص قاسيون- للخامس عشر من شهر أيار لهذا العام، نكهة متجددة بطعم العلقم!. فذكرى قيام كيان العدو- كـ«دولة» شرعنها المجتمع الدولي، بقرار ظالم بحق أبناء الأرض الأصليين- هذه السنة، ستضيف لوجه القوى الاستعمارية قباحة جديدة. إذ يهرول لهذا الكيان الاحتلالي، قادة الرأسمالية المتوحشة، ليعلقوا على صدور قتلة الشعب الفلسطيني، أوسمة الفخر بإنجازاتهم «الحضارية» المتطابقة مع سجلهم الاستعماري الاجرامي، كغزاة  لعدة شعوب في القارة الأمريكية، والإفريقية، والآسيوية.

إنهم يكرمون أنفسهم، ويبيّضون- كما يتوهمون- السجل الأسود لتاريخهم. في الخامس عشر من أيار،  من كل عام، يجدد الشعب العربي الفلسطيني، ومعه أبناء أمته وكل أحرار العالم، اصراره على طرد محتليه، والتشبث بوطنه المحتل منذ عام 1948 عبر العديد من الأشكال التعبيرية الجماعية، وهو ماتدلل عليه هذه السنة، النشاطات والفعاليات الممتدة على كل المساحة التي يتواجد عليها داخل وطنه المحتل منذ عام 1948، وداخل 62 من مخيمات اللجوء، المنتشرة داخل الأقطار العربية المضيفة، ومناطق المنافي الجديدة في تشيلي والبرازيل والهند! لكن اللافت لنظر المراقبين، كان التحضير والاستعداد الكبير والنشط هذا العام، للتعامل مع ذكرى الاحتلال والنكبة الناتجة عنه، بحراك شعبي واسع ومنظم، عبّرت عنه، فعاليات شعبنا في الداخل، خاصة، تجمعاته فوق أراضي القرى المدمرة، التي تم تهجير أهلها، وهذا ماأشارت اليه قبل اسبوع، مسيرة العودة إلى «صفورية»، التي قمعتها قوى الشرطة الصهيونية بوحشية، واستكملتها بحملة واسعة من الاعتقالات، عكست تنامي درجة فالحقد والكراهية نحو أصحاب الأرض، المهمشين والمضطهدين في وطنهم. كما برزت أيضاً، مظاهر هذا التحرك في داخل الضفة الفلسطينية المحتلة وغزة، وفي مؤتمر «كوبنهاغن» الذي انعقد تحت شعار «...العودة أقرب». في هذه الذكرى الأليمة،  يستحضر الشعب الفلسطيني تجربة الماضي وعِبَره، من أجل التعامل مع الحاضر والمستقبل، برؤية نقدية، تسعى لتفكيك مفردات الخطاب السياسي الذي ساد لفترة طويلة- البعض مازال يستند إليه- القائمة على تفسير حدوث نكبة الشعب الفلسطيني والأمة العربية عام 48، بمنطق «المؤامرة» البريطانية/اليهودية فقط! وباستبعاد مقصود لدور بعض الحكومات العربية بالمشاركة بها، خاصة وأن معظمها في تلك الفترة كان يخضع في حركته السياسية/الدبلوماسية لتوجيهات الدولة المستَعمِرة أو المنتدبة، بينما يستمر خضوع حكومات البعض منها للآن، لتوجيهات وسياسات الإدارة الأمريكية. هذه الحكومات التي ماتزال تصر على استمرارعلاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع كيان العدو المجرم، بل ويندفع أحد «قادتها» لتقديم التهاني بعيد «استقلاله» الموازي ليوم مأساتنا وكارثتنا! إنه التعبير الأكثر قبحاً وخسةً، لسياسة الدعم التي تتجلى في مجالات عديدة، يبدو أكثرها بروزاً، أنبوب الغاز، الذي يضخ في آلياتهم الحركة، في ذات الوقت الذي يساهمون فيه-مع غيرهم- في حصار غزة.

يحيي الشعب الفلسطيني ذكراه الأليمة، بتشديد نضاله بوجه سياسات الحركة الصهيونية، القائمة على طرد الفلسطينيين، من خلال إعادة إنتاج «التطهير العرقي» الذي كان منهجياً، ومدروساً، كما أشار لذلك الدكتور «ايلان بابه» أحد أهم المؤرخين الجدد، المحاضر السابق في جامعة حيفا، في كتابه القيّم (التطهير العرقي في فلسطين- الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية/ بيروت)، الذي يؤكد على (ان خطط التهجير والتطهير العرقي ما زالت راسخة في العقلية «الاسرائيلية»). إن ماتمارسه حكومة العدو من عمليات مصادرة للأرض والممتلكات- مدينة يافا نموذجاً- ماهو سوى استكمال لـ«الخطة داليت» التي باشر من خلالها قادة العصابات الصهيونية المسلحة، مهامهم في القتل الجماعي، والطرد، والتدمير، وحرق البيوت، والمزروعات، من أجل اقامة الكيان/ الثكنة في أربعينات القرن الماضي. وهذا ماتؤكده إجراءات حكومة العدو ضد أهلنا في الداخل المحتل، كما جاء في كلمة جمال زحالقة أحد قادة التجمع الوطني الديمقراطي في مهرجان بلدة «البعينة» في عرابة البطوف، في احتفالات إحياء الذكرى الستين للاحتلال (نعيش مصادرة الأرض، ومصادرة الهوية تحت غطاء القوانين التي تشرعها «الديمقراطية الإسرائيلية»، مصادرة الأرض طالت 80 % من الأراضي العربية، وطموح المؤسسة «الإسرائيلية» اليوم هو لمصادرة 8 0% من هوية الفلسطينيين الوطنية، ومطالبة الشباب العرب بالولاء لدولة «إسرائيل» عبر العديد من المشاريع، وفي مقدمتها مشروع الخدمة المدنية).

إن إحياء ذكرى الاحتلال/ النكبة لدى الشعب الفلسطيني، تأتي هذه السنة، كما في سنوات سابقة لتؤكد على أن هذا الشعب مازال يعيش ارتدادات احتلال وطنه وطرده منه. فالفلسطينيون في أكثر من مكان يتعرضون إلى كوارث متجددة ومستمرة. فما بين الاغتيال والتهجير، يرسم العدو صورة نمطية لحياة الفلسطينيين، سواء في العراق أوغزة أو الضفة. كما أن العقبات التي تعترض حرية التنقل والحصول على العمل اللائق في أكثر من مكان- في بعض الأقطار العربية- هي نوع آخر من نكبات الفلسطينيين التي يعاد انتاجها حسب دور كل نظام في «حصاره» لهم. لكن الأكثر خطورة فيما يجري راهناً، توجه بعض «القيادات» للمساومة ليس فقط على حقنا التاريخي في وطننا، بل وعلى تقديم التنازلات عبر اللقاءات السرية، كما دللت على ذلك المعلومات المتداولة عن خرائط جديدة يتم رسمها في الغرف المغلقة، يتم فيها رسم حدود جديدة وبديلة عما فرضته هزيمة الخامس من حزيران 1967. إن ماتشهده القضية الوطنية الفلسطينية على أيدي بعض القوى، من عمليات «غسيل دماغ» من أجل اسقاط  العنف الثوري المنظم، الكفاح المسلح، من العقل المعرفي الجماعي للشعب، استنادا على حالة التعثر في مسيرة المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، عبر عبارات تضليلية، تبدو خادعة للبعض، ماهو إلاّ التعبير الأخطر عن المشاركة في تسويغ الاحتلال وإدامة وجوده. هذا الوجود الذي تعصف به أزمات بنيوية هزت أسس بنائه، وأسقطت الأساطير التي نسجتها الحركة الصهيونية عن ديمومة وجوده. فالمشروع الصهيوني، الاحتلالي، التوسعي ينكفئ، تحت ضربات المقاومة وصمود الشعب في لبنان وفلسطين، فالخروج المهين من لبنان في أيار2000، ومن غزة في آب 2005، وسقوط  نظرية «الجيش الذي لايقهر» و«المجتمع المحصن والقوي» في تموز/آب 2006، تدلل جميعها على مأزق هذا الكيان، الذي يعاني «سكانه» من المستعمرين، فقدانهم للشعور بالاستقرار داخله. وهذا ماكشفه استطلاع للرأي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عددها الصادر في الخامس من هذا الشهر من (أن 4 % فقط من سكان «إسرائيل» يشعرون بالأمن فيها، وأن 52 % منهم لا يستبعدون النزوح، بينما 24 % يرغبون في مغادرتها).

إن القوى السياسية/الكفاحية لشعبنا مطالبة اليوم، بتشديد نضالها، وتوطيد لحمتها على أساس البرنامج الوطني الكفاحي، المستند على الحق التاريخي لشعبنا، وتحصين البناء المجتمعي بثقافة المقاومة، التي تتركز على البند الأول في الأجندة الكفاحية التاريخية للشعب: العودة إلى الوطن، الى البيوت والممتلكات التي طرد منها عام 1948. فمن أجل ذلك انطلقت رصاصات الفدائيين الأولى، ومن أجل تحقيق ذلك، يجب أن تتضافر كل أشكال النضال الأخرى «المقاومة السلمية المجتمعية، وتأطير الحراك الشعبي عبر المبادرات الأهلية في لجان العودة، والجهد الدبلوماسي والسياسي في العالم» مع الكفاح المسلح، الذي سيبقى الشكل المتقدم في مسيرة كفاح الشعوب.