«كشف الظهور»... نماذج إقليمية

يبدو أن حكومة رئيس وزرائنا الحالية، وفريقها الاقتصادي ذا الطابع «الدردري»، «غارت» من عدد من الحكومات العربية في المنطقة، وباتت هي الأخرى تريد، على المستوى السوري الداخلي، كشف ظهر منطق المقاومة الكامن والسائد لدى السواد الأعظم من المواطنين السوريين، والمعبر عنه رسمياً لدى مؤسسة رئاسة الجمهورية.

حكومة سلام فياض في الأراضي المحتلة، ومن خلفها رئاسة عباس للسلطة الفلسطينية، تواصل كشف ظهر المقاومة الفلسطينية، وتمعن في تصفية قضيتها المركزية، من خلال تمسكها بمنطق القطيعة مع حكومة حماس وحركتها، بموازاة رضوخها لمتطلبات تمسكها بالحوار مع قادة الكيان الإسرائيلي، حيث تصطدم كل تلك اللقاءات، بما فيها آخر لقاء جمع عباس بأولمرت، بـ«أولوية الأمن الإسرائيلي» وسقوفها، بما يعنيه ذلك من استمرار في التضييق على عمل كل فصائل المقاومة الفلسطينية في كفاحهم المشروع في مواجهة جرائم الاحتلال. وما تسرب عن مسودة وثيقة التفاهم التي تم بحثها في اللقاء المذكور، دون إقرار الجانبين بوجودها، لا يتحدث عن عودة لاجئين ولا عن القرارات الدولية ذات الصلة، ولا عن الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، ولا عن عودة المبعدين، بل عن دولة «للشعب اليهودي» وأخرى «فلسطينية» ولكن منزوعة السلاح, مع انسحاب «إسرائيل» من مناطق «هامة» وإخلاء عدد من المستوطنات، مع امتداد الدولة الفلسطينية فوق مساحة 6250 كيلومترا مربعاً- مساوية لمساحة الضفة الغربية وغزة-، على أن تربط الضفة بالقطاع بممر تحت سيادة إسرائيلية وإدارة فلسطينية. وأما القدس فتعتبر «عاصمة المناطق الدينية يجري اعتراف متبادل للمصالح الدينية والتربوية والتاريخية والروحية فيها».
وعندما تطرقت تسيبي ليفني وزيرة خارجية الاحتلال، في تطور غير مسبوق، إلى قضية اللاجئين وإمكانية عودتهم فقط للدولة الفلسطينية المفترضة، فإنها ربطت ذلك بمتطلبات الأمن الإسرائيلي، في حين وافقت حكومة الاحتلال على بحث قضية إعادة مبعدي كنيسة بيت لحم منذ عام 2002 من الضفة الغربية إلى بيت لحم مجدداً، على أن لا يشمل ذلك عناصر حماس والجهاد والجبهة الشعبية. والنتيجة هي إعراب عباس و«شلته» عن «خيبة الأمل» من ذلك اللقاء، وهو أمر طبيعي ومستمر ضمن منطق قبول الارتهان للمعتدي والاستقواء على الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
وفي لبنان، ومع ازدياد حدة الاستعصاء السياسي فيه، ووصوله حد الانفجار، ولاسيما مع اقتراب موعد معركة الرئاسة، على خلفية استمرار فخ نهر البارد واستنزاف الجيش اللبناني فيه، واستمرار احتمالات قيام عدوان عسكري خارجي، أو تفجير أهلي داخلي لحسم أمور معركة الرئاسة تلك لصالح قوى 14 آذار، تخرج حكومة تلك القوى بمحاولة إحراج وإضعاف جديدة لقوى المعارضة، وفي مقدمتها حزب الله، من خلال إثارة شبكة الاتصالات التي يمتلكها في اجتماع حكومي رسمي، بما يشير إلى أن انسداد الأفق أمام تلك القوى وحكومتها يدفعها للمقامرة حتى بأحد مقومات القوة والتفوق على العدو المتربص على الحدود.
وزامن ذلك تصريح مشبوه بتوقيته لوليد جنبلاط، مذكراً بتصريحات سابقة للرئيس المصري حسني مبارك، نفتها الخارجية المصرية، بخصوص القيادة السورية و«وجوب محاسبتها» بعيد اغتيال الحريري، وهو تصريح يبتغي الالتفاف على أية محاولات مصرية محتملة حالياً، وحفاظاً على مصالح النظام المصري لا أكثر، للتوسط بين سورية والسعودية، على خلفية الصراع الذي أخرج للعلن، بعد تصريحات نائب رئيس الجمهورية الأستاذ فاروق الشرع، بخصوص «الدور شبه المشلول للسعودية» في قضايا المنطقة، وما تلاها من ردود مبالغ بها جداً من جانب السعودية، وكأن الأمر أشبه بسيناريو مبيت يشبه المبالغة الإسرائيلية في رد الفعل على خطف الجنديين الإسرائيليين قبل عدوان تموز.
واللافت أن السعودية لا تبدي، ولن تبدي على الأرجح، أي مرونة في موقفها، رغم التوضيحات الرسمية السورية، وذلك لأن قرار القطيعة الذي اتخذته أمريكي المصدر، وإن كان بعباءة سعودية، يبتغي الضغط على سورية وابتزازها وتهديدها، في سياق الدور الذي تلعبه السعودية خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وعلى أكثر من محور فيها، وهو ما بدا أن لدى الشرع معطيات واضحة ومستفحلة عنه دفعته لانتقاد الدور السعودي بالحد الأدنى.
ضمن كل المعطيات آنفة الذكر، وهنا مربط الفرس، تأتي تلويحات حكومة عطري، وفريقها الاقتصادي، برفع الدعم وسحبه عملياً، وترويج ذلك وتسويقه تحت مسميات مختلفة وتضليلية من شاكلة «إيصاله إلى مستحقيه»، في مفارقة تفقئ العيون، وتشوش على المواطنين المضغوطين معيشياً أصلاً، والذين يبدي معظمهم حداً أدنى من القبول بذلك الضغط كرمى للمواقف السياسية الخارجية التي تتبناها مؤسسة رئاسة الجمهورية.
إن قيام هذه الحكومة بالضغط أكثر فأكثر على هذا الحس لدى المواطنين، هو عملياً، وسواء بحسن نية أم سوئها، تأليب للناس على تلك المواقف، وهو تأسيس لانقلاب عليها، من خلال تجاوز ليس فقط التصاريح الواضحة من السيد رئيس الجمهورية بأن الدعم الحكومي هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وإنما الاستهتار باحتمالات تفجر الوضع الاقتصادي-الاجتماعي برمته تحت وطأة ارتفاع الأسعار إلى معدلات جنونية جديدة ستدفع بدورها نحو استفحال كل الأمراض الاجتماعية من فساد، ورشوة، وإجرام، ودعارة، وسطو وسرقة (علماً بأن هذه الأخيرة أصبحت مؤخراً أكثر وقاحة وفي وضح النهار) في بلد نتغنى به، أمام القاصي والداني، بالأمن والأمان.
إن البحث عن موارد إضافية لخزينة الدولة، وتقليص إنفاقها، دون تعزيز ذلك بضرب مواقع الفساد الكبرى والاستيلاء على أموال النهب المكدسة لديها، وإعادة ضخها في عملية التنمية، يعني التواطؤ مع تلك المراكز في الاستقواء على الشعب، ودفع فاتورة النهب وعدم مكافحة الفساد على حساب المواطن ولقمة عيشه، وحتى مفاهيمه وقناعاته الوطنية، بما يعني إضعاف بنية إرادة المقاومة في سورية، في وقت تتحسب فيه تياراتها الوطنية على كل المستويات من عدوان مبيت يستهدف الوجود السوري، دولة ومجتمعاً.
في نهاية المطاف، وفي وقت تزداد فيه مرة أخرى، حدة الفرز والاستقطاب على المستوى الإقليمي بين أنصار المشروع الأمريكي الصهيوني بأزلامه وأدواته، وأنصار المشروع المضاد، ومع بروز المزيد من مؤشرات اقتراب الانفجار العسكري بين الطرفين، فإن المطلوب على المستوى السوري هو حسم المعركة الداخلية بين أنصار مشروع المقاومة وأنصار إجهاضه، ومرة أخرى سواء كان هؤلاء يعملون بحسن نية أم سوئها.