«قانون» ما قبل السّقوط..
أخيراً.. وفي نهاية الأسبوع الماضي تم نشر 15 مادة من مسودة «قانون مكافحة الإرهاب»، ومن المتوقع مراجعتها من حزب الحكومة والحكومة لإعداد المشروع النهائي الذي سيناقشه مجلس الوزراء خلال الأسابيع القادمة تمهيداً لعرضه على مجلس الشعب خلال دورته الحالية لإقراره قبل انتهاء العمل بقانون الطوارئ نهاية مايو المقبل.
قانون لإرهاب الشعب
كان نضال الشعب المصري قد طال من أجل إلغاء قانون الطوارئ، في إطار المطالبة بالإصلاح السياسي الذي أسفر عن زلزال التعديلات الدستورية، ويعتبر قانون مكافحة الإرهاب أخطر توابعه.
وأعتقد أن من أعدوا هذه المسودة قد جمعوا ودرسوا كل القوانين المعادية للديمقراطية في أبرز نظم الحكم الفاشية ثم استخلصوا من كل ذلك مسودة القانون الذي هو الأسوأ ربما في تاريخ التشريع المصري، فهو قانون إرهاب وليس قانوناً لمكافحة الإرهاب.
تعتبر المادة الأولى في الباب الأول من مسودة القانون هي المفتاح لكل محتوياته، وهي جوهره وعموده الفقري، لأنها تولت تعريف الإرهاب، ومن الأفضل إيراد نصها بالكامل «يقصد بالعمل الإرهابي كل استخدام للقوة أو العنف أو التلويح باستخدامه، وكل تهديد أو ترويع أو تخويف، يلجأ إليه الإرهابي، أو المنظمة الإرهابية بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه أو أمن المجتمع الدولي للخطر، إذا كان من شأنه إيذاء الأشخاص أو ترويعهم أو تخويفهم أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو الموارد الطبيعية أو الآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها، أو منع أو عرقلة قيام دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم بأعمالها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، وكذلك كل سلوك يرتكب بهدف الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات».. ثم تتولى المواد التالية وبروح المادة الأولى ذاتها تفصيل القانون.
جعل هذا القانون (في مادته الأولى) من كل فعل عادي يمكن أن يمارسه الناس يومياً تحت طائلته. إذ جاءت صياغته فضفاضة (التحريض، الترويع والتخويف أو إلقاء الرعب، الإخلال بالنظام العام.. إلخ).
التحريض بأية وسيلة علنية أو غير علنية، وكذا الشروع في الجريمة أو حتى الاتفاق، يعاقب مرتكب هذه الأفعال بعقوبات الفاعل الأصلي حتى لو لم تقع الجريمة.
تعقد المحاكم من خلال دوائر متخصصة لقضايا الإرهاب.
القبض والاحتجاز والتفتيش دون أمر قضائي (من سلطة مأمور الضبط).
قانون الإجراءات الجنائية الذي يضع ضمانات قانونية للمواطن تم تجنيبه نهائياً لدى إعمال هذا القانون.
العقوبات تبدأ من السجن إلى السجن المشدد إلى السجن المؤبد إلى الإعدام.
هذا يعني تجريم أي مقال أو بيان للاحتجاج، أو أي إضراب سلمي أو اعتصام سلمي أو الدعوة لهما أو التأفف من زيادة الأسعار، أو شكوى من تدني الأجور، أو أية شكوى من أي نوع حيث تعتبر تحريضاً.. وبطبيعة الحال يقع تحت طائلة هذا القانون رفض عملية التوريث (الذي نرفضه علناً) أو رفض سياسات التبعية أو تدمير الاقتصاد الوطني أو التفريط بالأمن القومي أو السرقة والنهب والفساد، وهي الجرائم الحقيقية التي يجب محاكمة مرتكبيها غاصبي الثروة والسلطة في بلادنا لأنهم يرتكبونها في كل لحظة.
وطبعاً يمتد التجريم إلى المطالبة بوقف التطبيع مع العدو الصهيوني أو طرد سفيره أو قطع العلاقات معه، أو طرد السفير الأمريكي.. إلخ. وكذا يمتد التجريم إلى أي تأييد أو تحبيذ أو دعم أو تضامن مع المقاومة في بلداننا العربية أو في الوقوف ضد العدوان على الأشقاء وربما على مصر ذاتها!. إذ أن في كل ذلك إضرار بالأمن القومي وتحريض على الإرهاب.. أي أن هذا القانون يطالب بتكميم الأفواه وإغماض العيون وصم الآذان، بل وكتم الأنفاس وفقد الإحساس قسراً.
أهم دلالات إصدار القانون الآن..
الدلالة الأولى إن الأزمة الشاملة على كل الأصعدة قد استحكمت، ولم يعد هناك أي أمل في إمكانية تجاوزها. كما تم كنس كل المكتسبات الاجتماعية للكادحين وكل قوانين حمايتهم، والطبقة الحاكمة بكل وحشيتها لا تتراجع قيد أنملة عن نهج النهب وتدمير مقومات الحياة للشعب؛ بل وتدمير الوطن ذاته. والشعب كله غاضب بدءاً من العمال حتى الفئات الوسطى والتحركات الجماهيرية تتسع (حتى ولو لم تكن مترابطة)، والجياع يتزايدون إلى درجة لا يمكن تخيلها بسبب البطالة وتدني الدخول وتهميش الملايين بشكل مخيف. أي أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الحضيض (حالات الانتحار زادت بشكل غير مسبوق إطلاقاً إذ وصلت إلى 3700 حالة سنوياً)، وذلك بالإضافة إلى الأزمة الوطنية والقومية والديمقراطية التي تعيش الجماهير تحت وطأتها التي بدأت تعي خطورتها بدرجة كبيرة مع ارتباطاتها بباقي مكونات الأزمة الشاملة.
الدلالة الثانية هي ما يتم التحضير له من عدوان على الشعوب الشقيقة والحرب الوشيكة في المنطقة ضد سورية وحزب الله وإيران، وكذا حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيو- أمريكي في فلسطين والعراق، والرفض الشعبي المصري المتصاعد ضد كل ذلك، وما تستشعره السلطة من تداعيات هذا الأمر على العديد من النظم المتواطئة مع العدو في المنطقة (ومن بينها مصر).
الدلالة الثالثة هي أنه لم يعد ممكناً على الإطلاق أن تتحقق الأكاذيب عن النمو الاقتصادي الذي يصطدم الناس بنقيضه ويتزايد بؤسهم، أو التصريحات الفارغة التي أطلقها المدعو أحمد أبو الغيط بأنه سيكسر أرجل من يتخطي الحدود (من الفلسطينيين وليس من الأعداء الإسرائيليين). ذلك أن افتقاد المصداقية أصبح سمة رئيسية لهذه السلطة التي تآكلت هيبتها.
إزاء هذا الوضع الملتهب فإن الشعب المصري لم يعد من الممكن أن يُحكَم بالطريقة القديمة، ولم تعد الطبقة الحاكمة قادرة على أن تحكم بالطريقة القديمة.
وتتجلي الحالة الموضوعية الشبيهة بما حدث في مصر أوائل عام1952 وعام 1981، حيث انحسرت كل الخيارات وكان القمع هو الخيار الوحيد. وهو ما يدفع السلطة إلى إصدار هذا القانون بتصور خاطئ ووهم بأن خيار القمع والإرهاب والاستبداد يضمن الاستمرار. وربما يكون الرعب الكامن قد عجّل بإصداره.
لكن المؤكد أن «قانون الإرهاب» هذا هو خيار ما قبل السقوط .
قانون مكافحة الإرهاب يعني تجريم أي مقال أو بيان للاحتجاج أو أي إضراب سلمي أو التأفف من زيادة الأسعار وتدني الأجور.. ويمتد التجريم إلى رفض سياسات التبعية أو تدمير الاقتصاد الوطني أو التفريط بالأمن القومي أو السرقة والنهب والفساد، وهي الجرائم الحقيقية التي يجب محاكمة مرتكبيها غاصبي الثروة والسلطة لأنهم يرتكبونها في كل لحظة