ما بعد القمة... ما العمل؟
... هاقد أصبحت القمة وراءنا، بكل ما شهدناه عشية انعقادها من تجاذبات وسجالات وضغوطات تمركزت جميعها حول إمكانية عقدها في الزمان والمكان المحددين لها ومستوى التمثيل فيها!
وبالانتقال من تصريحات المسؤولين الرسميين العرب - بين المؤيد والمتردد والمشترط -، إلى آراء الشارع العربي قبل عقد القمة لاحظنا مدى الفرق في تقييم مؤتمرات القمم العربية بوصفها تمثل النظام الرسمي العربي، منتهي الصلاحية، بسبب غربته عن شارعه وهمومه الوطنية والاجتماعية الاقتصادية والديمقراطية من جهة، وبسبب ارتباطه وخضوعه للإملاءات الخارجية، وأبرزها الأمريكية والصهيونية، من جهة أخرى!
نحن لا نتجاهل خطورة وشمولية الضغوطات الأمريكية التي سبقت القمة كيلا تعقد في دمشق، أو على الأقل لخفض مستوى التمثيل فيها في سياق الحملة المبرمجة ضد سورية وضد المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وفي أي مكان محتمل في منطقة الشرق الأوسط التقليدي والكبير حسب التوصيف الأمريكي- الصهيوني. ومن هنا إذا كانت «ورقة القمم العربية» محروقة بنظر الشارع العربي، فإن دمشق نجحت بألا تكون «قمتها» أمريكية، أي أنها كانت خالية إلى حد كبير من الفيروسات الأمريكية حسب الوزير «المعلم». وهذا مفهوم، ويعود في أساسه إلى الوزن التاريخي والوطني لسورية وتقاليدها القديمة والحالية في مقارعة التدخلات الاستعمارية الأجنبية، وهذا ما جعلها أقرب إلى نبض الشارع العربي الذي مازال يطلب منها المزيد، أي الانتقال من موقع الممانعة إلى خيار المقاومة.
ومن هنا نؤكد ما قلناه مراراً حول ضرورة التوازن الدقيق بين ضرورات الدبلوماسية والبروتوكول والعلاقات العامة، وبين ثبات الالتزام بخيارات الشعوب والثقة بقدراتها الجبارة على المواجهة وإلحاق الهزيمة بالمشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة. وبكلام آخر، وبحكم التجارب المريرة السابقة ليس هناك من علاج لردع العدوان وتحرير الأرض إلا خيار المقاومة الشاملة والتي بوجودها فقط يصبح للدبلوماسية معناها المقبول كما حدث في فيتنام والجزائر وكوبا، وأخيراً في جنوب لبنان (1996 تفاهم نيسان وحرب تموز 2006).
... بغض النظر عن تباين الرأي بشأن النجاح الذي حققته قمة دمشق، يبقى السؤال الأهم: ماذا بعد القمة وما العمل؟ ففي تصريحه لجريدة «البايس» الإسبانية حول القمة قال خالد مشعل: «إن القرارات إيجابية، لكن القمم العربية تفتقد القدرة على وضع قراراتها موضع التنفيذ... إن أي محتل لا ينسحب بإرادته الذاتية، وإنما ترغمه المقاومة على ذلك، من هنا لا معنى للمفاوضات دون دعم القوة..»!
نحن لا ننسى أن قمة دمشق عقدت في أسوأ ظروف تعيشها منطقتنا في ظل الاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي للأرض العربية، وفي ظل التهيئة الأمريكية- الإسرائيلية لتوسيع رقعة الحرب بعد تعثر المشروع الأمريكي في العراق وهزيمة حرب تموز. ومن هنا نستنتج أن جولة ديك تشيني للمنطقة قبل القمة وجولة رايس + ديفد وولش بعدها، تتجاوز بأهدافها موضوع عقد القمة إلى تفعيل الحلف العسكري- السياسي الأمريكي- الإسرائيلي- الرجعي العربي لخلق البيئة المناسبة للحسم العسكري لاحقاً عبر التصعيد والفوضى أو حرب جديدة لتغيير موازين القوى التي صنعتها المقاومة رغم محدودية قوتها عدةً وعدداً بالقياس للقوة العسكرية الهائلة لدى التحالف الإمبريالي- الصهيوني.
في ظل كل ما قيل عن صياغات «إعلان دمشق»، وتدوير الزوايا فيه، بقي الفرز قائماً يفقأ العين:
■ فلسطينياً: غادر محمود عباس القمة لمقابلة رايس وإعلان الالتزام أمامها بمقررات مؤتمر أنابوليس وليس بمقررات القمة.
■ عراقياً: أعلن نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي عن تحفظه لعدم تضمين «إعلان دمشق» إدانة للمقاومة العراقية وأصر على تسمية قوات الاحتلال بـ«قوات متعددة الجنسية».
■ لبنانياً: تولى سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي يوم افتتاح القمة الدفاع عن فريق 14 شباط والهجوم على المعارضة لدرجة أنه طالب بفرض عقوبات بحقها وحق أية دولة لا تتفق مع رؤية «دول الاعتلال العربي» حول المسألة اللبنانية... وقد أشار المعلم إلى درجة الاختلاف مع السعودية بهذا الشأن رغم ما قيل عن وجود بعض الغزل في حديث الفيصل إزاء سورية!
فالسعودية التي لم يحضر ملكها قمة دمشق، بادرت إلى دعوة حاخامات إسرائيليين بجوازات سفر أردنية لحضور مؤتمر الأديان في الرياض برعاية الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين.
إذاً عن أي عمل عربي مشترك يجري الحديث في ظل هذا الفرز الواضح في المواقف؟! فلا محور السعودية، مصر، الأردن استطاع إبعاد سورية عن خياراتها الاستراتيجية. ولا سورية ومن معها استطاعوا فك عرى التحالف بين عرب الاعتلال والتحالف الإمبريالي- الصهيوني.
من هنا يبقى الرهان على المقاومة ومحور الشعوب ليس فقط لردع العدوان، بل لإلحاق الهزيمة بالمشروع الإمبريالي- الصهيوني، وعند ذلك يعد عقد أي قمة انتصاراً تصنعه الشعوب.