عبد الحليم قنديل لـ «قاسيون»: إضرابات 6 إبريل مجرد (بروفة) قوية للعصيان المدني!
■حاوره: جهاد أسعد محمد
يشهد الشارع المصري في هذه الآونة، ومنذ عدة أيام، غلياناً شعبياً لم تشهد أرض الكنانة مثيلاً له منذ وقت طويل، حيث تعج الشوارع بالمظاهرات الصاخبة احتجاجاً على انحدار الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من الشعب المصري إلى مستوى غير مسبوق..
وللوقوف على حقيقة ما جرى ويجري أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع الصحفي المصري عبد الحليم قنديل الناطق الرسمي باسم حركة «كفاية» وأجرت معه الحوار التالي:
أستاذ عبد الحليم.. كيف يمكن قراءة ما يجري هذه الأيام في مصر؟
إن ما جرى في 6 إبريل الجاري شيء غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث بكل مراحله، منذ نشأة الدولة المصرية الحديثة، أي قبل 200 سنة تقريباً أو أكثر، الدعوة التي وجهتها حركة «كفاية» وعدد من القوى السياسية المحظورة، وشباب «الفيس بوك» للإضراب العام شهدت استجابة مذهلة، والدعوة استخدمت الوسائل التكنولوجية المتطورة، ولم يتوقع أحد حتى أشد المتفائلين نسبة الاستجابة هذه، فعلى سبيل المثال 80 % من طلاب الجامعات أضربوا عن الذهاب إلى الجامعات، وهناك نسبة مقاربة لهذه النسبة في المدارس، أيضاً الدواوين والمصالح العقارية والمحلية كانت شبه فارغة، إلا من جولات المسؤولين المباشرين فيها والمأمورين أمنياً، كما بدت شوارع القاهرة المزدحمة المختنقة دائماً وكأنها شوارع القاهرة في الثلاثينات أي أصبحت قاهرة العشرين مليوناً ذات مليون واحد فقط، وهذا ما جرى أيضاً في المدن المصرية الكبرى مثل الإسكندرية، المنصورة، السويس، والإسماعيلية، والشرقية..الخ، وفي الوقت نفسه لم يظهر مواطن واحد يحاول التظاهر تأييداً للنظام الذي فقد كل القاعدة الجماهيرية لوجوده وتحول إلى نظام أمني.. عشرات الآلاف من الجنود في شوارع وميادين مصر كلها لتتحول المدن الكبرى إلى ثكنات عسكرية، ووصل الحشد ذروته في مدينة المحلة، مركز حوادث إضراب 6 إبريل، وجرت تطورات عنيفة من حيث استخدم النظام الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع، مما استدعى نوعاً من العنف الطبيعي كرد عليه بالحجارة، وتطورت الحوادث في اليومين الماضيين إلى اصطدام دموي، وكأن النظام يرغب بإحراق مصر من أجل بقائه.
برأيك ما سبب هذا الارتباك والهيجان والتعامل العنيف مع المتظاهرين، وهل وصل النظام فعلاً إلى مرحلة بات يشعر فيها جدياً بأن بقاءه مهدد؟
النظام يحس بالغريزة أنه ذاهب.. لقد أفلس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفقد كل تأييد شعبي، وحوّل الانتخابات إلى تعيينات إدارية.. هذا النظام يعتمد على القوة المفرطة، وهو يواجه الآن أزمة مضافة على أثر ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية ومواد الطاقة عالمياً، وهو ما يؤثر بشدة على الداخل المصري، فاقتصاد ونظام مبارك بالغ الهشاشة، وريعي الطابع، من رسوم قناة السويس، ومن عوائد الرصيف الخارجي والتي تضاءلت وجرفت معها كل القواعد الإنتاجية في البلاد، مما حولها إلى مستورد أول للقمح في العالم، يصدر البترول لكنه يستورد منتجات الطاقة! فالمتغير الاقتصادي الخارجي وهو زيادة الأسعار أثر كعنصر ضاغط على وجود النظام، بالإضافة إلى إفلاسه داخلياً.
بعض وسائل الإعلام العربية تعاطت مع الإضراب بطريقة غير نزيهة، حيث ادعت أو أوحت بأن الإخوان المسلمين هم الذين دعوا للإضراب على الرغم من أنهم رفضوا الدعوة إليه.. ما رأيكم بذلك؟ وكيف تنظرون إلى عدم مشاركة الإخوان المسلمين في الإضراب؟
الإخوان المسلمون أعلنوا بصورة واضحة بأنهم لن يشاركوا في الإضراب، وهم بذلك كرروا الموقف نفسه الذي انتهوا إليه في الإضراب الذي سبقه، وهو إضراب أساتذة الجامعات، ولكنه نجح، والآن أيضاً نجح الإضراب العام، وأعتقد أن ما جرى في 6 إبريل كان ضربة مزدوجة للنظام المغرور بكثرته الأمنية وللإخوان المغرورين بكثرتهم العددية، هذا اليوم أبرز أن هناك شعباً مصرياً حقيقياً، كنا دائماً نكره صمته، وهو الآن يستيقظ تحت ضغط الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتحت ضغط الجوع الحقيقي. وبانسحاب الإخوان انتهت المعادلة التي تقول (إن مشاركة الإخوان في أي شيء هي شرط لنجاحه).
فالإخوان انتهوا إلى عزلة مقاربة لعزلة النظام، لأن خيارهم الاقتصادي والاجتماعي هو خيار النظام الحاكم نفسه، ومن هنا فهم أيضاً في حالة هلع من تطور المطالب الاقتصادية والاجتماعية،. أما بالنسبة لوسائل الإعلام العربية فالملاحظ أن القنوات العربية الفضائية وبعد إعلان وثيقة البث الفضائي التي شرعت وشرعنت سلطة الأمن في التحكم بوسائل الإعلام، نقلت صورة مغلوطة عن الأوضاع في مصر.
فبعض الوسائل ادعت أن الاستجابة للإضراب كانت محدودة، وفي العموم فإن الضغط الأمني أثر على تغطية القنوات العربية للحدث بصورة متباينة..
ما مدلولات ذلك برأيك؟ هل هناك تضخيم لحجم الإخوان وصورتهم وتأثيرهم في الشارع المصري؟
الإخوان المسلمون لديهم مشكلتان. الأولى: أنهم يقعون في وهم الحجم، وأنهم أكثر تأثيراً من القوى السياسية الأخرى، وهذا قد يكون صحيحاً، أي أنهم أكثر عدداً، ولكنهم ليسوا موجودين بحجم ملائم لقيادة الشعب المصري في الانتفاضات، وهم تاريخياً لعبوا دور الضحية لاستجلاب العطف، لا دور القائد، والفرق كبير بين الضحية والقائد. ثانياً: سياسة الإخوان المسلمين فيها عطب جوهري مرده تقارب الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع اختيارات النظام القائم، ومرجعه أيضاً موروث في السياسة القبلية التي اعتادوها بحيث أنهم لا يتحركون إلا إذا وقع عليهم أذى، ويستبدلون الشعب بالجماعة، وأن الجماعة هي الشعب، وأن مصالح الشعب هي مصالح الجماعة، وهذا خطأ جوهري في التفكير السياسي، وأظن أن البعض منهم بدأ ينزعج من سلوك القيادة بعد هذا الإضراب.
بالنسبة لكم كقوى وطنية وحركات لها تأثير على الشارع المصري، ما الخطوة القادمة؟
إن الرسالة التي تجب قراءتها في 6 إبريل واضحة، وهي أن الشعب المصري قادر على العصيان، ويمكن اعتبار أن هذا الإضراب كان بمثابة (بروفة) قوية للعصيان المدني!!
تبدو الحوادث في مصر مسرعة، وقد تندفع إلى حريق اجتماعي سياسي، سيؤثر على مشروعية النظام وبقائه، ويبدو على هذا النظام انعدام مقدرته على تجديد الرضى الاجتماعي وجلب قاعدة تأييد أخرى، فهناك إفلاس شامل. والسيناريو الأول الذي يبدو وشيكاً أن البلاد تتجه إلى حريق شامل لايمكن مقارنته بأحداث 19 يناير 1977 الذي يبدو شيئاً صغيراً مقارنة بما جرى، وما متوقع حدوثه في مصر، ونحن نرغب بالتدخل في سير الحوادث كالتالي:
نحن دعونا قبل إضراب 6 إبريل وبالتزامن معه وبعده إلى تكوين ما نسميه بائتلاف التغيير، يتألف من الشخصيات الوطنية العامة الرافضة للنظام ومن قيادات الغضب الاجتماعي والنقابات وقادة إضرابات العمال ومن حركة كفاية وجماعات احتجاجية وقوى سياسية راديكالية ويسارية، وبعض الاتجاهات الإسلامية خارج إطار الإخوان المسلمين، ونتصور أن الائتلاف الذي ندعو إلى تشكيله، هو قيادة سياسية للغضب الاجتماعي المتزايد، واقترحنا لها برنامجاً سياسياً محدداً من عشرين نقطة، تمثل مطالب الشعب المصري، واقترحنا له سيناريو لفترة انتقالية عقب انتهاء الحكم الحالي من سنتين نقود العمل بمصر بأكبر مستوى من الأمانة للانتقال من حكم العائلة إلى حكم الشعب. والسؤال هل سننجح في تحقيق هذا السيناريو، أم لا؟. هذا مرتبط بسرعة جريان الحوادث وما إذا كان الحريق سيسبقنا أم أننا سنمنع مصر من الانزلاق إلى هذا الحريق.
هل هناك بعد آخر في برنامجكم بالإضافة للمطالب الاقتصادية والاجتماعية التي هي المحور الذي التفت حوله الجماهير الراغبة بالتغيير في مصر، وأقصد البعد الوطني والقومي والموقف السياسي من كل ما يجري في المنطقة؟
لدينا ثلاثة أبعاد للبرنامج الذي نقترحه في المرحلة الانتقالية. أولاً البعد الوطني: وهو بعد قائم على فك الارتباط باتفاقية كامب ديفيد، أو ما يسمى بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وإلغاء المعونة الأمريكية بكل هيئاتها، ووقف برنامج الخصخصة الذي نعتبره تكريساً لسيطرة الأجانب على الاقتصاد المصري وصناعة رأسمالية الكمبرادور، فالنقطة الأولى واضحة في البعد الوطني، إذ ندعو إلى ثلاثة استفتاءات شعبية أساسية حول هذا البعد.
ثانياً البعد الديمقراطي والذي تبنينا فيه برنامجاً ديمقراطياً كاملاً قائماً على إطلاق الحريات العامة، والإفراج التام عن المعتقلين، وتكريس استقلال القضاء وإدارته للانتخابات والحرية العامة الشاملة بما فيها حرية الاجتماع والتنظيم والتظاهر والإضراب والاعتصام، وإجراء محاكمات عاجلة للمتهمين في جرائم التعذيب وجرائم اللصوصية العامة، وخاصة التي اقترنت ببرنامج الخصخصة.
أما ثالثاً فهو البعد الاجتماعي والاقتصادي، حيث ندعو جوهرياً إلى خطة طوارئ قائمة على استخدام الاحتياطي النقدي باستثمار عام كثيف للعمالة، وتنفيذ برنامج عاجل لمضاعفة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح، ورفع الحد الأدنى للأجور بحيث يصل إلى /1200/ جنيه شهرياً، أي في مستوى خط الفقر الدولي المقدر بدولارين في اليوم، وأيضاً صرف إعانة بطالة للعاطلين والتي تقدر نسبتهم بـ 30 % من قوة العمل وإعانة صغار الفلاحين.
إننا نعتمد على برنامج يمكن أن يكون موضع إجماع سياسي عام من القوى الراغبة في التغيير، نعتمد على هذه الأبعاد الثلاثة مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الوطني، ورفض العلاقة مع الأمريكان التي تعد قوة احتلال سياسي في مصر، ودعم المقاومة الوطنية العربية سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق.
في مصر كان هناك دائماً رهانات تاريخية على الجيش المصري.. أين الجيش من كل ما يحدث، وهل سيكون نصيراً لكم فيما تسعون إليه؟
هناك احترام تقليدي لدى المصريين للجيش المصري، لأنه لم يسبق له أن تورط في قمع حركة شعبية في كل التاريخ المصري، وهو أيضاً كان مورداً هاماً لعدد من القيادات الوطنية في فترة مقاومة الاحتلال العسكري المباشر أو فيما بعد، أو حتى في المقاومة ضد كامب ديفيد، وعدد كبير من قادة الجيش المصري والمخابرات خرجت من الخدمة لاعتراضها على السياسات الجارية، ونعتقد أن النظام يحاول استدعاء الجيش لتحسين فرص بقائه، ولكن تبدو هذه المحاولات موقوتة الأثر، ونظن أن الجيش المصري كهيئة نظامية سوف يجد نفسه في قلب الحوادث مع الشعب لا ضده.