الخبير الاستراتيجي الروسي ليونيد ايفاشوف في اتصال خاص مع قاسيون: جورجيا في القفقاس كإسرائيل في الشرق الأوسط
تتفاعل على نحو لحظي المعطيات الميدانية والسياسية في منطقة القفقاس على خلفية التحريض الأمريكي-الإسرائيلي لجورجيا على روسيا على نحو مباغت من خاصرة أوسيتيا الجنوبية. وعلى الرغم من كل إشارات التهدئة وخططها فإن الأطراف المعنية بالصراع الناشئ تبدو ماضية نحو خواتيم اللعبة، فلا روسيا المحتقنة أصلاً من علاقات جورجيا بالأطلسي والاتحاد الأوربي والدرع الصاروخي الأمريكي، تقبل بالعبث بأمنها القومي، ولا واشنطن المستميتة في تحين الفرص للقضاء على، أو تحييد على أقل تقدير، الخطر الاستراتيجي الروسي الكامن لها، تبدو معنية بما قد يجري لجورجيا، أو شعوب أوسيتيا وأبخازيا، نتيجة هذا الصراع، ففي نهاية المطاف هو صراع بالنسبة إليها يجري على أرض ثانية أو ثالثة. وعليه جاء إعلان الرئيس الجورجي «الدمية» بفتح موانئ ومطارات بلاده أمام القوات الأمريكية مقابل إعلان أوكرانيا تقييد حركة الأسطول الروسي في البحر الأسود، وهو ما دفع بموسكو إلى تخيير واشنطن بين الشراكة مع روسيا ودعم قيادة جورجيا. بين احتمالات احتواء الصراع وتوسعه أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع الجنرال ليونيد ايفاشوف، نائب رئيس هيئة الأركان الروسية بين عامي 1996-2002، ومدير معهد الدراسات الإستراتيجية العسكرية الروسية، وكان الحوار التالي:
- ماهي برأيكم الأسباب العميقة التي أدت إلى قيام الصراع الحالي في منطقة القفقاس، وأين تكمن جذوره؟
جورجيا تلعب في القفقاس دوراً شبيهاً بالدور الذي تلعبه اسرائيل في الشرق الأوسط، فالقوى الإمبريالية تقوم بتسليحها وشحنها بالأجواء المعادية لروسيا، ثم تطلقها لافتعال الصراعات في المنطقة، فالنظام الجورجي، وهو نظام نازي بشكل كامل، يتحرك وفق توجيهات صادرة من السفير الأمريكي في جورجيا، فالولايات المتحدة هي التي خططت لهذه العملية، وأعدت وسلحت الجنود الجورجيين، ودفعتهم بعد ذلك إلى أرض الصراع، للاستطلاع بالنار، ولجس نبض الإدارة السياسية الروسية، ومعرفة حالة الجيش الروسي.
-هل يمكن القول إذن بأن الهدف الرئيسي لهذه العملية العسكرية هو الاستطلاع بالنار، أم أن هناك أمراً آخر يجري ترتيبه؟
الاستطلاع بالنار يسبق عادةً القيام بعمليات عسكرية على نطاق أوسع واكبر
- ماهي إذاً الأهداف الاستراتيجية لهذه العملية؟
الهدف الاستراتيجي الأساسي هو القضاء على روسيا على مراحل، المرحلة الأولى هي القضاء على وجود روسيا ونفوذها في أوكرانيا والقفقاس والبحر الأسود، وإبعادها عن منابع النفط في بحر قزوين. وذلك يأتي في إطار خطة أمريكية شاملة لخلق بؤر ساخنة ومتوترة في العالم، يسودها عدم الاستقرار، من كوسوفو مروراً بالشرق الأوسط ومنطقة الحدود الروسية القفقاسية، وصولاً إلى أفغانستان وباكستان وإيران، لأن ذلك ضروري لتحقيق مخططات الأوليغارشية العالمية الإمبريالية، التي تسعى للسيطرة على العالم، حيث توفر لها مناطق النزاع والتوتر الفرصة للتدخل و السيطرة، كما حصل في العراق والبلقان، بعكس المناطق المستقرة التي يصعب فيها تحقيق تلك الأهداف. ولهذا السبب فإن هذا السيناريو يطبق في مناطق النفوذ الروسي، بعد تدهور الهيبة السياسية والعسكرية لروسيا، وتقليص مناطق نفوذها، وبالارتباط مع تفاقم الأزمة الإمبريالية مع إيران.
- هل يريد الأمريكيون إعادة توجيه الضربة الإستراتيجية، من خلال تأزيم الوضع في القفقاس، و خلق بؤر توتر جديدة فيه؟
هذا احتمال وارد جداَ، منطقة القفقاس هي الخاصرة الضعيفة لروسيا، ويصعد الأمريكيون الضغط على تركيا وأذربيجان وروسيا، من أجل استخدام المنطقة كنقطة انطلاق لنفوذهم، كما يمكن استخدامها للقيام بعمل عسكري ضد إيران.
- هل يمكن القول إذن بأن الأمريكيين بدؤوا بتغيير إتجاه ضربتهم الأساسية من إيران إلى روسيا، أم أن الاستطلاع بالنار الذي يجري له أهداف أخرى؟
إن الضغط على روسيا له أهداف سياسية الطابع، فالضغوط الامريكية على روسيا تهدف إلى إيقاف الدعم الروسي للقيادة الإيرانية، وهكذا فإن روسيا في حال توجيه ضربة عسكرية لإيران لن تكون قادرة على التدخل، بسبب انشغالها بمشاكلها الداخلية، في القفقاس، ولن تستطيع تشكيل قوة دعم لإيران.
- هل ترون أن قضية توجيه ضربة لإيران، ماتزال موجودةً على رأس قائمة المهام الأمريكية؟
الاتجاه الذي يسعى فيه الأمريكيون هو زرع بؤر توتر واسعة في الشرق الأوسط ووسط آسيا وصولاً إلى الصين، والعمل على إنهاء النفوذ الروسي بشكل مبرمج وعلى مراحل، وتعد إيران إحدى أهم نقاط انطلاق الفوضى والصدام لإنهاء ذلك النفوذ.
- ما رأيكم بالقيادة الروسية، وانتقاداتكم لها، في هذه المرحلة بالذات؟
أنتم تعلمون أن القيادة الروسية قد صرحت على لسان رئيس الوزراء فلاديمير بوتين عن تحضير الجورجيين لتأجيج الوضع... وقد كانت المخابرات الروسية تعلم بأنهم كانوا يهيؤون لهذه العملية العسكرية، حيث قاموا بتدريب وتأهيل الكوادر العسكرية، ولكنها لم تتوقع البدء في هذا الوقت، فلم تأمر القوات بالاستعداد، فرئيس الوزراء الروسي كان خارج روسيا لحضور الأولمبياد، اما الرئيس فقد كان يقضي إجازته، في حين أن وزير الدفاع ليس أكثر من تاجر يبيع الجيش الروسي، وقد أجريت عدة تغييرات في القيادة العسكرية، وهذا يعكس عدم استقرار القيادة السياسية والعسكرية في روسيا.
- ما تقييمكم للوضع العسكري الحالي في المنطقة، بعد وقف اطلاق النار؟
البنود الستة التي أعلنها ساركوزي وميدفيديف، أعطت النصر من حيث المبدأ لجورجيا، وجعلت أطراف الصراع ليس أوسيتيا وجورجيا، بل روسيا وجورجيا، أي لقد غيرت وضع روسيا في هذا الصراع.
لقد رفض الرئيس الجورجي بإملاء من واشنطن البند الأساسي الذي يبحث الوضع الأوسيتي، فألغي ذلك البند من جانب الرئيس الأمريكي وسفيره في جورجيا مما أعطى لجورجيا أوراق رابحة عديدة، وبإلغاء هذا البند ستصبح لدينا منطقة توتر في القفقاس، مما سيؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا في النزاعات والحروب القادمة، أما بقية البنود الخمسة فهي بنود قديمة تم الاتفاق عليها في مجلس الأمن منذ عام 1994 وهي ليست ذات أهمية كبيرة. وهكذا فقد تمكن الرئيس الجورجي من الحفاظ على كرسيه، و يعد ُّهذا الأمر خيانة.
- هل تعتقدون بأن هذا الوضع المتفجر سيستمر؟
إن الوضع يأخذ أبعاداً جديدة، فقد تم إبعاد الأبخاز والاوسيتيين عن العملية أولاً، وثانياً فإن جورجيا ماتزال ماضية في تسليح جيشها دون أن يقف بوجهها أحد، أما روسيا فستتعهد بعدم إطلاق رصاصة واحدة في المستقبل، والخروج من أوسيتيا الجنوبية، لقد عدنا إلى الحالة السابقة، ولكن بصورة أخرى، فروسيا لم تعد قوة حفظ سلام بل صارت طرفاً في النزاع، وستصبح الحالة شبيهة بحالة إقليم كوسوفو ولكن بشكل معاكس، تحت غطاء منظمة الناتو، ستضم منطقة أوسيتيا إلى جورجيا، وسيهجر الكثير من الأوسيتيين بلادهم بعد رفع الغطاء الروسي عنهم، وسنرى إن كانت أبخازيا قادرة على الصمود في المنطقة دون دعم روسي.
- هل هذا يعني ان الوجود الأمريكي في منطقة البحر الأسود سيصبح حقيقة؟
نعم، سيصبح حقيقة، ويتم الآن الانتقال إلى المرحلة الثانية من المخطط، حيث أن الصراع الروسي الأوكراني على أسطول البحر الأسود يؤجج بانتظام، مما سيضعف النفوذ الروسي في البحر الأسود. ولن نتمكن من الوقوف في وجه هذه المخططات إذا لم نعد النظر بالقرار السياسي، وإذا لم نتمكن من تكوين إرادة سياسية وعسكرية للرد على هذه التحديات... على الرئيس مدفيديف ورئيس الوزراء بوتين أن يفهما ذلك، وان يضعا إستراتيجية جديدة لتطوير قدرة روسيا العسكرية، لأن الاقتصاد الروسي لايمكن أن يتطور دون ذلك، لأن الاقوى في عالم اليوم هو من يسيطر على الموارد والخيرات الاقتصادية، ويحرم الضعيف منها، معيقاً بذلك تطوره.
- هل يمكن تلخيص الموضوع بضرورة وجود إرادة سياسية للمواجهة؟
نعم، من الضروري وجود إرادة سياسية، ولكن حتى الآن أنا لا أرى توافر مثل هكذا إرادة سياسية لدى القيادة الروسية، بل العكس تماماً حيث أن هنالك شللاً في الإرادة وسلبية وسوءا في الإدارة، وعدم قدرة على التحكم بإدارة الجيش والبلاد.