من قبل الدول والشركات والأثرياء نهب مزارع أفريقيا، بلا حدود
على الرغم من مرور عام كامل على تعميم أخبار هيمنة شركات ودول أجنبية على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الأفريقية، بموجب عقود شراء أو استئجار، مازال قطاع الأعمال الدولي والنخب المحلية تستغل هذه الصفقات لمصالحها المالية الخاصة، فيما يتفشى الفساد وتحتدم أزمة الأمن الغذائي.
إذ أن الشركات الخاصة تعارض كل جهود التوصل إلى مدونة سلوك عالمية لضمان شفافية هذه الممارسات، فيما تستغلها النخب المحلية للاستفادة من الصفقات المالية الضخمة التي تبرم لاستغلال أراضي أفريقيا الزراعية لمصلحة أطراف خارجية.
ومن الملاحظ أن موجة القلاقل والاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عدد من البلدان النامية في العامين الماضيين كنتيجة منظورة مباشرة للارتفاع الباهظ الذي سجلته أسعار المواد الغذائية في العالم، وقد تزامنت مع شروع قطاع الاستثمارات الدولي في شراء الأراضي الزراعية في أكثر مناطق العالم خصوبة وخاصة أفريقيا.
وتصف المنظمات الأهلية في أفريقيا وبعض الدول الغربية هذه الممارسات– التي تسميها الأطراف المستفيدة باستثمارات زراعية- بأنها عمليات «نهب الأراضي»، مشددة على أن بعض هذه الصفقات بملايين الدولارات قد حرضت الدول والشركات المستفيدة ضد صغار المزارعين ومزارعي الكفاف المحليين.
وكمثال على القلاقل الشعبية، تلك الإضرابات العارمة التي اجتاحت مدغشقر عندما أعلنت شركة «دايوو» الكورية الجنوبية في تشرين الثاني 2008 استئجارها نحو 1.3 مليون هكتار من أراضي مدغشقر، ما ساهم في تفاقم أعمال الشغب التي أدت لسقوط الحكومة.
وفي عام 2009، تولى المعهد الدولي للبيئة والتنمية المعني بترويج السياسات الوطنية والدولية لصالح الأهالي المهمشين، ومقره لندن، تولى دراسة النقاش الدائر حول تفشي ظاهرة الاستيلاء على الأراضي الزراعية في أفريقيا بالبحث العلمي.
وأصدر تقريراً بعنوان «استيلاء على الأراضي أم فرص تنمية؟ الاستثمارات الزراعية وصفقات الأرض العالمية في أفريقيا»، خلص فيه إلى أن «مثل هذه الاستثمارات يمكنها إما أن تتيح فرصاً جديدة لتحسين مستويات الأهالي المحليين المعيشية، أو أن تعمق من تهميش الفقراء أكثر فأكثر».
وشرح أن هذه الصفقات يمكن أن تخدم التنمية، حيث يمكن الاستفادة من «الاستثمارات المتزايدة لتحقيق فوائد للاقتصاد العالمي (نمو الناتج المحلي الإجمالي، المزيد من العوائد المالية)، وخلق الفرص لرفع مستويات الأهالي المحليين. فيمكن للمستثمرين أن يأتوا برؤوس أموال وتكنولوجيات، وخبرة، وبنية تحتية، وأسواق».
ومع ذلك، حذر التقرير من أنه نظراً لأن «الحكومات أو الأسواق تضع الأراضي (الزراعية) في متناول المستثمرين، فقد يخسر الأهالي المحليون إمكانية الحصول على الموارد التي يعتمدون عليها، كالأرض والمياه والخشب والغابات والمراعي».
لكن المنظمات غير الحكومية تشدد على أنه لا مجال هناك أو مبررات للتفاؤل.
ويقول أنطوان بوهيي المسؤول عن قضايا الأهالي بمنظمتي Peuples Solidaires وActionAid الناشطتين في مجال الدفاع عن حقوق المزارعين في الدول النامية، إن «تنزانيا على سبيل المثال قررت وقف الاستثمار في مزارع المحروقات الزراعية منذ تشرين الثاني الماضي بفضل ضغوط المزارعين أصحاب الأراضي الصغيرة».
ومع ذلك فلا يوجد حتى الآن أي إطار تنظيمي ملزم قانونياً لإجبار المستثمرين على مراعاة مصالح الأهالي المحليين.
ويذكر أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات العالمية المعنية، اجتمعت في نيويورك في أيلول الماضي لوضع الخطوط العريضة لتنظيم مثل هذه الاستثمارات الزراعية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أثارت هذه المسألة نقاشات محتدمة نظراً لأن بعض الدول المانحة تبدي استعدادها لوضع مدونة سلوك بشأن هذه القضية، لكنه كان «من الصعوبة بمكان دمج القطاع الخاص في مثل هذا المسار»، وفقا لمصدر مطلع.
في هذا الشأن، شدد تقرير المعهد الدولي للبيئة والتنمية على مدى أهمية إدراج قواعد تنظيمية في التشريعات الوطنية وفرض الشفافية والمهنية على المفاوضات، بغية المحافظة على الحقوق المحلية في الأراضي والمياه.
وقدأكدت مديرة المعهد كاميلا تولمين، أن «العديد من تلك الصفقات تتم وراء أبواب مغلقة، بل ويضمن بعضها حقوقا تفضيلية للمستثمرين على استخدام المياه».
وأضافت أن ثمة بعض القوانين الوطنية التي تتطلب من المستثمرين التشاور مع الأهالي المحليين، كما هي الحال في موزامبيق. ومع ذلك، فإن انعدام الشفافية والتدقيق أثناء التفاوض على الصفقات «يشجع على الفساد وعلى توجيه الفوائد لمصلحة الأغنياء وأصحاب النفوذ».
■ نشرة «آي بي إس»