الحروب والأكاذيب
إنه لأمر مريب تسهيل العنف الكبير إلى هذا الحد في القرن الواحد والعشرين، وإن الأكاذيب التي كانت تشيعها الحكومات الديمقراطية مازالت مستمرة، حول التهديد المزعوم الذي يتعرض له «الوجود البشري» من إيران سواء تجاه إسرائيل، أو أمريكا أم وحسب «اعتقاد بعض الزعماء الأوربيين» أوربا الغربية.
ويمكن أن يقال إنه لا جديد في تلك الأكاذيب، وأنه من المحتمل أن تأثير الدعاية الرسمية الكاذبة في الديمقراطيات الغربية، هو اليوم أعظم بكثير من القرن الماضي.
أدت السذاجة الطوباوية اليقينية في النصف الأول من القرن السابق، والإيمان بالوعود الطوباوية العلمانية، إلى جعل الناس سعداء لإيمانهم بالمستقبل المرتقب الذي تحلم به البشرية، والذي سيتحقق بعد البلاشفة أو الفاشيين الإيطاليين (دون وضع إشارة مساواة بين المثالين- المحرر). في ألمانيا، أبدى هتلر استعداده للانتقام وحماية شعبه، والتفوق في المستقبل. كل ذلك كان مسائل جدية، لكنها كانت أفكاراً رومانسية أيضاً، واستخدمت لتبرير الجرائم. في نهاية القرن، وعد سلوبودان ميلوزوفيتش الصربيين بتحقيق حلم صربيا الكبرى ذات السيادة المستقلة.
لقد كانت النتيجة درساً في القتل الوحشي وغير المبرر لملايين الناس في الحروب العالمية عند محاولة منع هذه الطموحات. لكن الحروب اليوغسلافية المتعاقبة أيضاً كانت مفعمة بالأكاذيب، ومتعمدة، وأبرزت من جديد الأكاذيب حول الماضي. روايات حول الطموحات البغيضة للشعوب المتآخية في يوغسلافيا السابقة، للقيام بقتل غالبية السكان.
ويمكن أن يعتقد أحدنا أيضاً، في نهاية القرن، بأن انقلاب ميخائيل غورباتشوف كان مستوحىً من العقل والحكمة ليقدم درساً حاسماً عن إنهاء الأكاذيب. فاقتراح غورباتشوف الأولي الليبرالي كان الغلاسنوست- أو العلانية!! فهل هناك منا من يعتقد بأنه في القرن الحادي والعشرين مازال يمكننا تنفس أوكسجين «الغلاسنوست»؟!!!.
الأمر لم يكن كذلك، الظلم والأكاذيب في الشرق الأوسط كانت المسؤولة عن الحروب الجديدة غير المبررة التي احتلت صدارة قيادتها الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الجديد، وفي هذا الوقت حرضت الأكاذيب العقائدية والأكاذيب المناسبة.
في البداية، تم تحميل صدام حسين مسؤولية هجمات 11 أيلول على الولايات المتحدة!! ولم يكن الأمر كذلك.
ولاحقاً كانت الرواية بأن النظام العراقي السابق في أثناء فترة عقوبات الأمم المتحدة في عام 2003 عمل سراً على بناء الأسلحة النووية، على الرغم من جهود الاستخبارات الغربية لاكتشافها ومحاولة تعقبها، وحضور مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق. لكن لم يكن هناك شيء.
والرواية الأخرى كانت بأن العراق حصل على أسلحة الدمار الشامل بطريقة ما، ويمكن أن يستخدمها للهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وذلك بصرف النظر عن القوة الانتقامية الساحقة لهذه الدول، ورغبتهم الواضحة لاستخدامها عند أي هجوم.
عندما يصر الناس على أن هذا الخطر العراقي لم يكن من إنتاج الدعاية الغربية، ولكنه حقيقة، أو على الأقل فيه بعد منطقي، يصبح ضرورياً أن نطرح سؤالاً يندرج في مجال الدراسات الإستراتيجية: كيف؟ أعطني السيناريو! قل لي كيف هذا الهجوم يمكن أن يحدث. ويبقى السؤال من دون إجابة. وبالتالي فإنه من الضروري الاستنتاج أن العراق هوجم لأسباب لا تتعلق بأسلحة الدمار الشامل.
وفقاً لشهادات معاوني صدام ما بعد احتلال العراق، أنه قبل حرب الخليج اهتم بأسلحة الدمار الشامل لردع الهجوم الإيراني، وقد كان يخشى من الانتقام بسبب غزوه لإيران في عام 1980، والحرب التي تلت لمدة 8 سنوات. وقد استخدم في العراق غازاً ساماً، ولكنه حظي بدعم واستحسان الولايات المتحدة الأمريكية.
الديكتاتور العراقي، بعد حرب الخليج، قرر أن الحصول على أسلحة الدمار الشامل لم يعد مناسباً، لكنه زرع اللغز عمداً في الهواء، كعامل لردع إيران.
وكان الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 مدفوعاً بوهم لدى المحافظين الجدد مفاده أن الشعب العراقي سوف يرحب بغزوه ويصبح قوة ديمقراطية، وصديقاً لإسرائيل.
وبدلاً من ذلك، جاء تخريب المجتمع الحضري العراقي والبنية التحتية والصناعة، التي تحتاج لسنوات عديدة حتى يتم إعادة بنائها، واشتعلت الفوضى، والنزاع الطائفي حيث سلمت البلاد للعدو الأكبر. وتلك كذبة أخرى.
وقد ذكر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أنه أرسل رسالة سرية إلى الرئيس باراك أوباما في كانون الثاني الماضي، راجع فيها الخيارات العسكرية المتوافرة. إذا فشلت الدبلوماسية والمحاولة الأمريكية الجديدة لتشديد العقوبات الدولية على إيران في عرقلة المسعى الإيراني، إذاً كل ذلك ليس لبناء رادع نووي..
وإذا كانت إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي، مرة أخرى لرد الهجوم. يجب بالضبط أن تكون نفس المعارضة لنظريات العدوان الإيراني، كما تلك الأكاذيب التي قدمت في عام 200.-2003 حول العراق كونها تشكل خطراً نووياً على العالم برمته.
ومرة أخرى إن هذا التهديد هو اختراع مزيف، لتخويف الناخبين الأمريكيين، والإسرائيليين والأوربيين، ودفع لهجوم استباقي على إيران. ويبلغ السيد غيتس عن حيرته بأن الرئيس يعترف بأن النزاع مع إيران مبني على الروايات، الذي هو كما كانت الحال مع الأكاذيب أثناء الحرب على العراق، قد يتحول إلى حرب أخرى، من المؤكد أن نتائجها ستكون أسوأ على جميع أطرافها.