تحذيرات فيديل كاسترو

كوريا الديمقراطية..

في ثلاث رسائل تأملية كتبها مؤخراً، تعرض فيديل كاسترو لمواضيع مختلفة. لكن الرابط المشترك بين الرسائل الثلاث إحساسه بخطر العدوان الوشيك على كوريا الديمقراطية وإيران. وأي إحساس! إحساس العارف بمدى توق الإمبريالية الأمريكية للتدمير من جهة. وإحساس الخبير بكيفية تضليلها العالم واختلاقها الذرائع والحجج لإقامة الحروب، من جهة أخرى.

قبل أيام من افتتاح المونديال، استهل كاسترو رسالة 1/6/2010، بعبارة وحيدة مقتضبة تتعلق بكوريا الشمالية: «ما تتعرض له كوريا الشمالية في الوقت الراهن من خطر مهاجمتها من الولايات المتحدة انطلاقاً من الحادثة التي وقعت في مياه هذا البلد ربما يكون بالإمكان تجنّبه إذا ما قرر رئيس جمهورية الصين الشعبية استخدام حق الفيتو، وهو حق لا يرغب هذا البلد باستخدامه البتة في القرارات التي يتم مناقشتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

وفي رسالته الثالثة بتاريخ 18/6/2010، قدم تفصيلاً لملابسات الحادثة البحرية، حيث وقع انفجار غامض أغرق البارجة «شيونان» التابعة لقوات كوريا الجنوبية البحرية التي أعلنت أن الانفجار لم يحصل من قلب البارجة بل إن مصدره خارجي، ووجهت الاتهام إلى كوريا الديمقراطية. وأضاف: «لم يكن بوسع كوريا الجنوبية أن تتصور أن حليفتها الوطيدة، الولايات المتحدة، قد وضعت لغماً في قعر السفينة الحربية«"شيانون»، كما يروي الباحث الصحفي واين مادسون في مقالة نشرتها غلوبال ريسيرش في الأول من حزيران/يونيو 2010، مع شرح متماسك لما حدث. يستند بأقواله إلى أن كوريا الشمالية لا تملك أي نوع من الصواريخ أو أي وسيلة لإغراق «شيونان» لا تستطيع اكتشافه المعدّات الحديثة للقطعة البحرية الحربية».

تعلم كاسترو من التاريخ أن هتلر أمكنه تكليف جنوده بارتداء زي عسكري بولوني وقتل مواطنين ألمان ليبرر شن الحرب على بولونيا. فما الذي يمنع الولايات المتحدة من إغراق بارجة كورية جنوبية وقتل من عليها، وإلصاق التهمة بكوريا الديمقراطية لتبرير شن الحرب عليها مباشرة أو بالوكالة باستخدام كوريا الجنوبية؟ ألم يسبق للولايات المتحدة أن كلفت مخابراتها المركزية بضرب السفينة الأمريكية «مادوكس» في خليج تونكين لتبرر أمام شعبها والعالم شن العدوان على فيتنام الشمالية؟

.. وإيران

طيلة سنوات دأبت الولايات المتحدة على تصنيع الذريعة الكافية للتخلص من الحكومة الوطنية الإيرانية بانقلاب أو بحرب.

في رسالته الأولى يتذكر كاسترو كيف أطاحت المخابرات المركزية بحكومة محمد مصدق قبل أكثر من خمسين سنة. لكنه يختمها بأسئلة لا تحتمل لا التفسير ولا التأويل وليس لها سوى إجابة واحدة: الحرب على إيران قادمة: «هل سيكون بوسع أوباما أن يستمتع ببهجة إعادة انتخابه رئيساً من دون أن يستخدم البنتاغون أو «دولة إسرائيل»، التي لا تذعن في شيء من سلوكها إلى قرارات الولايات المتحدة، أسلحتهما النووية ضد إيران؟ وكيف ستكون عليه الحياة في كوكبنا بعد ذلك؟»

وفي رسالته الثانية بتاريخ 10/6/2010، يبين أسباب براءة إيران من كل الحجج الواهية المقدمة ضدها، إنما مؤكداً أن «الخبطة بالمرصاد»، متمنياً أن يكون مخطئاً، رغم صدور قرار مجلس الأمن القاضي بتشديد العقوبات على إيران. ويحدد، استناداً إلى حدسه التاريخي ذاته، توقيت الضربة: «ليس هناك أي غرابة في رغبة «إسرائيل» والولايات المتحدة وأوثق حليفين لها من أصحاب الحق بالنقض في مجلس الأمن، وهما فرنسا وبريطانيا، في استغلال الاهتمام الهائل الذي تبعثه مباريات كأس العالم لكرة القدم لكي يهدؤوا من روع الرأي العام العالمي، المستاء من تصرف قوات النخبة الإسرائيلية قبالة قطاع غزة».

في غمرة انشغال العالم ببهجة المونديال، وعبر المجال الجوي السعودي المفتوح بالاتفاق مع وزارة الخارجية الأمريكية، ستشق الطائرات الإسرائيلية طريقها، طلعة إثر طلعة، لقصف إيران حتماً. وربما بالأسلحة النووية. هذا ما يؤكده كاسترو في رسالته الثالثة (18/6/2010): «إن نوايا الولايات المتحدة واضحة منذ زمن طويل، بقدر وضوح تحرك حكومتها المحكومة بأهدافها الخاصة، دون أي خيارات بديلة ممكنة... وهي المعتادة على فرض غاياتها بالقوة، هدفها الآن هو أن تهاجم إسرائيل المنشآت المنتجة لليورانيوم المخصّب في إيران مستخدمة أحدث الطائرات والأسلحة المتقدّمة التي تزوّدها بها القوة العظمى بصورة غير مسؤولة. فقد اقترحت هذه الأخيرة على إسرائيل، التي لا حدود لها مع إيران، أن تطلب من العربية السعودية السماح لها بعبور مسافة طويلة وضيقة من مجالها الجويّ، لتختصر بشكل كبير المسافة الفاصلة بين قاعدة انطلاق الطائرات المهاجِمة والأهداف التي ستضربها».

نهاية، فيما تتدفق الأخبار الشيطانية، خبراً تلو خبر، بين مباراة وأخرى من مباريات كأس العالم لكرة القدم، دون أن يعبأ بها أحد، ألا يرمي كاسترو، من خلال فضحه مخطط العدوان على إيران وكوريا الديمقراطية، إلى منع حدوث الضربة!