الأزمة اليونانية.. بين نازية «ميركل».. وابتزاز صندوق النقد الدولي
تسعى الحكومة اليونانية لعقد صفقة مع صندوق النقد الدولي، لتأمين المساعدات المالية في الأسابيع القليلة القادمة لتفادي التخلف عن دفع دينها الوطني، ويأتي هذا التحرك بعد فشل وزراء المالية الأوربيين الذين اجتمعوا في بروكسل مؤخراً بالإجماع على أية خطة محددة لتقديم الدعم المالي لليونان. وقد كانت ألمانيا هي العقبة الأساسية في ذلك.
وتقدر الديون اليونانية بحوالي 54 مليار دولار ينبغي دفعها خلال عام 2010، ومنها 22 مليار دولار مستحق دفعه في نيسان وأيار. وتمكنت الحكومة من الحصول على قروض جديدة بقيمة 5 مليار دولار خلال هذا الشهر، ولكن فقط بسعر فائدة حوالي 6.3% على سنداتها، وهي أعلى بـ3 نقاط من متوسط سعر الفائدة على السندات الألمانية. ووفقاً لمسؤول مالي يوناني، فإن النسب العالية طلبها المستثمرون الدوليون الذين كانوا يمنعون اليونان من محاولة بيع سندات إضافية، وقال «هناك شيء واحد مؤكد، لن نذهب للسوق ثانية مع هذه النسب البربرية من أسعار الفائدة، لأن هذه وصفة للإفلاس»..
وحذر المسؤولون اليونانيون، بأنهم أعطوا فرصة أخيرة للإتحاد الأوربي لعقد قمة، لكن وفقاً لمصدر حكومي فإن فرص الحل «لا تبدو في حالة جيدة»، وأضاف المسؤول: « إذا لم يكن هناك دعم واضح من القمة الأوربية في 25 آذار، يجب أن نقرر إلى أين نحن ذاهبون. هناك سيناريوهات عديدة على الطاولة، ولكن يبقى أبرزها صندوق النقد».
ومن جهتها، عززت الحكومة الألمانية معارضتها لخطة الإنقاذ الأوربية. فقد حذرت وزارة المالية الألمانية بشكل واضح، بأن اليونان يجب أن لا تتأمل من القمة المرتقبة في الحصول على دعم مالي، فيما حذرت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» في وقت سابق، شركاءها الأوربيين سابقاً من أي «قرار متهور» لإنقاذ اليونان.
وفي تحرك آخر يعكس مدى تصلب الموقف الألماني، أخبرت «ميركل» البرلمان الألماني بأن يدعم الاقتراح المقدم من وزير ماليتها، بأن الدول التي تخفق في الالتزام بمعايير موازنة الاتحاد الأوربي يجب أن تكون مستثناة من منطقة اليورو، وأن لا يسمح لهم بأن تكون اليورو عملتهم الخاصة، وأثناء خطابها في البرلمان، دعت «ميركل» إلى «اتفاقية- الحل الأخير- الإقصاء من منطقة اليورو إذا لم تستوف المتطلبات»، حيث لم تذكر اليونان بالاسم، ولكن تهديدها كان واضحاً. وتعقيباً على خطابها رد باباندريو من أثينا بأن «الاحتمال هو الصفر» وأن اليونان لن تترك منطقة اليورو. أما رئيس المصرف المركزي الأوربي، «جان كلود تريشيه»، فقد رفض اقتراح «ميركل» ووزير ماليتها قائلاً في تصريحات لمجلة فرنسية إن فكرة الطرد اقتراح «سخيف».
وقد اضطرت حكومة «ميركل» إلى مجابهة حقيقة فشل المعارضة للتدخل في منطقة اليورو من قبل صندوق النقد الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، فقد دعت ثلاث دول من منطقة اليورو هي «فنلندا،هولندا وإيطاليا» للتوجه نحو صندوق النقد إذا لم تستطع اليونان دفع ديونها المستحقة.
قد يكون مصادفة أن يأتي التهديد اليوناني باللجوء لصندوق النقد بعد اجتماع باباندريو في واشنطن مع الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ووزير المالية تيموثي غيثنر، وأعضاء بارزين من الكونجرس ورجال أعمال، بينما تعلن الولايات المتحدة الأمريكية جهاراً، عدم مد يدها للتدخل في حل الأزمة اليونانية، وتداعياتها على الاتحاد الأوربي. ولكن المسؤولين الأمريكيين يطمئنون باباندريو بأنهم يدعمون تدخل صندوق النقد. وهذا يدل على تدخل جديد للولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للاتحاد الأوربي، الشيء التي أرادت ألمانيا على وجه الخصوص منعه. وإن الخلاف حول تدخل صندوق النقد لحل الأزمة اليونانية لحد الآن هو تعبير عن واحد من التوترات المتزايدة بين واشنطن وبرلين.
وقد أكد مارتن وولف في جريدة Financial Times، بأن اليونان ليس المشكلة الحقيقية لمنطقة اليورو. قائلاً «إن الأموال اليونانية ليست هي التي تهدد استقرار منطقة اليورو، وإنما التهديد من أموال الدول الكبرى»، وبينما تدخل الأزمة المالية في مرحلة جديدة، تزداد «الأنا» الوطنية والخلافات، حيث أشار وزير المالية الفرنسي إلى أن ألمانيا تعتمد على الصادرات بشكل جزئي ملقية باللوم على الأزمة، وأن رفضها لتحفيز الطلب المحلي يجعل الأمر أكثر صعوبة على البلدان الأخرى لكي تتعافى.
ورفض السياسيون الألمان وأجهزة الإعلام الألمانية بشدة الانتقاد الفرنسي، وأنهت ميركل خطابها أمام البرلمان الألماني بإصرار: «ألمانيا سوف لن تخسر قدرتها التصديرية».
كما تتعمق الخلافات مع أمريكا، وضمن الاتحاد الأوربي على الإجراءات لتنظيم بعض أشكال المضاربة في البورصة. وفضل كل من الزعماء الألمان والفرنسيين قانون المشتقات التجارية والصناديق الوقائية. فقد عارض وزير المالية الأمريكي علناً، وأرسل رسالة إلى مفوض الأسواق الداخلية الأوربية بأن القيود الأوربية المقترحة على حقوق الملكية الخاصة والصناديق الوقائية «موجهة ضد الشركات الأمريكية وتمنعها من الوصول للسوق الأوربية».