شوارع تورنتو تفضح الرأسمالية المنهارة قمة العشرين تطلب من الفقراء إنقاذ الأغنياء!
لم تهدأ شوارع تورنتو الكندية ساعةً واحدة خلال استقبالها لقمة العشرين الأخيرة، حيث عمت المظاهرات العارمة كل الشوارع وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية، فصبت الجماهير الغاضبة جام غضبها على قمة الثماني الكبار ومجموعة العشرين، ورفعت يافطات تندد بسياسات الخصخصة والإفقار وتسميم كوكب الأرض ونهب ثرواته الطبيعية.
وشاركت في المظاهرات الاحتجاجية عشرات القوى النقابية ولجان مناهضة العولمة والفقر وحتى جماعات الفوضويين، مؤكدين جميعاً على رفض الرأسمالية كنظام اجتماعي واقتصادي، وطالبوا كذلك بوقف الحروب في أفغانستان والعراق وأفريقيا والشرق الأوسط، والحد من سيطرة البنوك والشركات على الاقتصاد العالمي وشطب القوانين والتشريعات التي تستهدف جموع الفقراء والعمال والمهاجرين في الدول الصناعية.
في هذه الأثناء جاءت القمة الاقتصادية للدول الثماني الكبرى التي تضم (بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفرنسا واليابان وألمانيا وروسيا وايطاليا) في حين ما تزال الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العظمى تبث الرعب في نفوس إدارات البلدان الرأسمالية كافة، وتلاحق نتائجها الكارثية دولاً تلو أخرى في أوربا وآسيا، فضلاً عن مثول شبح تسرب النفط في مياة خليج المكسيك فوق صدور الأمريكيين وهو الأمر الذي أثار المزيد من السخط على شركات البترول والغاز والآثار المدمرة التي تتركها على البيئة وحياة الشعوب.
وقال أحد المشاركين في التظاهرات: «هؤلاء (الزعماء) يريدوننا أن ندفع ثمن سياستهم، فبدل أن تحل هذه الدول مشاكل الناس علينا نحن البسطاء أن نحل مشاكل الأغنياء وأن نساعد أصحاب البنوك وشركات التأمين الكبرى على الخروج من أزمتهم.. هذا هو الهراء والجنون بعينه»!.
وعلى هامش القمة، رفضت لجان مناهضة الفقر في تورنتو ما تسوقه الحكومات الغربية من أسباب واهية لتراجع الإنفاق الحكومي على الخدمات والمرافق الاجتماعية، ورفضت كذلك اقتطاع الدعم الصحي والضمان الاجتماعي من الطبقات الأكثر تضرراً وفقراً، معبرةً بذلك عما يجول في صدر كل الشعوب المتضررة من الليبرالية الجديدة وحماتها حول العالم، كما رفض العديد من النقابات والهيئات والأحزاب السياسية حماية الكبار وأمنهم المالي واستخدام الدولة والضرائب لتأمين الاقتصاديات المهيمنة، فيما تسقط بلدان بشعوبها في فخ الدين العام المدبر من صندوق النقد الدولي والمصارف الكبيرة حول العالم، تماماً كما يجري الآن في اليونان وغيرها من دول الاتحاد الأوربي واليابان.
وعلى صعيد القمة المشؤومة أعلنت أغنى الدول في مجموعة العشرين أنها سوف تخفض عجز حكوماتها إلى النصف بحلول العام 2013 وأنها ستسعى إلى «إرساء الاستقرار» في حجم دينها بحلول العام 2016؛ وهو مؤشر بالنسبة إلى الأسواق العالمية والجمهور السياسي المحلي على أنها تأخذ على محمل الجد الحاجة إلى وقف الإنفاق التحفيزي، ولكن من الواضح أن هذا الوقف يصب عكس مصلحة مواطني هذه البلدان.
وقد أشار اجتماع مجموعة العشرين الأخير إلى أن الاقتصاد العالمي قد انتقل إلى مرحلة جديدة من الأزمة أكثر استعصاءً، وجاء البيان الختامي لأعمال الاجتماع ليغطي الانقسامات بين الولايات المتحدة وأوربا التي ظهرت جلية خلال التحضير للقمة، إذ كانت الولايات المتحدة قد حذرت من أن الإسراع في تخفيض العجز والإنفاق التحفيزي قد يؤدي إلى ركود عالمي آخر، كما حذرت الدول الأوربية، ولاسيما ألمانيا، من أنه قد ينجم عن التحرك بوتيرة بطيئة للغاية أحجام دين غير مستدامة ومعدلات فائدة مرتفعة وحتى عمليات عجز عن السداد.
وفي ظل تجاذب الطرفين، توصلت كلّ من الولايات المتحدة وأوربا إلى ما دعاها مسؤول أميركي بـ«الصفقة المركبة»، حيث وافقت الولايات المتحدة على جعل هدف تقليص العجز إلى النصف مبادرة مجموعة العشرين مقابل دعم مجموعة العشرين لجعل النمو هو الأولوية، على حد تعبير أحد المسؤولين الأوروبيين.
أما وقائع الاقتصاد العالمي قبل الاجتماع وبعده، فتمثلت بأن البطالة العالمية سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق بمقدار أكثر من 210 ملايين شخص، إلى جانب تعمق الإحساس بالظلم الاجتماعي الذي كان يعتبر فيما مضى مشكلة في البلدان النامية أساساً، حيث أخذ هذا البؤس في الانتشار بسرعة في العديد من البلدان المتقدمة، مترافقاً بتزايد التوترات والاضطرابات الاجتماعية في شكل احتجاجات شعبية ضد تدابير التقشف ومن أجل فرص العمل.