!ديمقراطية» رأس المال في قفص الاتهام»
في تقرير أصدرته مجلة دير شبيغل الالمانية واسعة الانتشارقبل فترة، تعرض الصحيفة حجم التجسس الواسع الذي تمارسه المخابرات الالمانية بحق حزب اليسار الالماني الذي يملك الكتلة البرلمانية الثالثة (76 نائباً) متقدماً على حزبي الخضر والليبرالي الحر.
يكشف التقرير عن قيام المخابرات بالتجسس على 27 نائبا يسارياً في حين كشفت المعلومات اللاحقة أن العدد يصل إلى 42 نائبا في البرلمان الاتحادي، وأعداد أخرى من نواب الحزب في برلمانات الولايات، وضمت قائمة الأسماء رئيسة الحزب غيزينه لوج ورئيس الكتلة البرلمانية غريغور كيزي ونائبة رئيس البرلمان الألماني عن حزب اليسار بيترا باو المنتخبة لهذا المنصب بأغلبية الاصوات، وأثار التقرير زوبعة سياسية وقانونية في الأوساط الالمانية مازالت مستمرة بالتفاعل، وحسب مصادر مختلفة لا يقتصر تجسس المخابرات على حزب اليسار بل هو امتداد لسياسة معاداة الشيوعية سيئة الصيت الموروثة من أيام الحرب الباردة، والتي كان ضحيتها كل الناشطين اليساريين من شيوعيين و ماركسيين على اختلاف مدارسهم الفكرية وكل الساعين إلى العدالة الاجتماعية، في إطار بديل جذري للراسمالية، وهي تشمل اليوم، بتزايد مستمر كل القوى الاجتماعية التي تناهض السياسة الحالية للحكومة الالمانية، وخصوصا ما يتعلق بقضية مقاومة النازية الجديدة و اليمين الشعبوي، إذ تعتمد الحكومة سياسة تجريم هذه المقاومة بهدف إعاقتها أو الحد منها.
السنوات التي أعقبت نهاية النموذج الاشتراكي في جمهورية المانيا الديمقراطية كانت حافلة بحرب ضروس ضد مراجعة قوى اليسار لمواقفها و محاولة اعادة تنظيم صفوفها، و قد تنوعت الأساليب ضد حزب الاشتراكية الديمقراطية باعتباره خلفاً للحزب الاشتراكي الالماني الموحد الذي حكم المانيا الديمقراطية السابقة، واستخدمت في هذه الحرب جميع الأسلحة المتاحة، من مصادرة أموال و ممتلكات الحزب، وإشغاله بجولات قضائية طويلة و منهكة استعاد بعدها جزءاً يسيراً من هذه الممتلكات ، إلى اتهام قيادته الميدانية ووجوهه البارزة بالعمل لمصلحة وزارة امن الدولة السابقة، مرورا بإثارة ملف علاقات الحزب بالأحزاب الشيوعية و حركات التحرر في البلدان المختلفة، باعتبار هذه القوى قوى متطرفة و عدوة للديمقراطية
وأخذت القضية حيزاً من النقاش في أروقة البرلمان الألماني بناءً على طلب من كتلة حزب اليسار، فأصبحت هذه القضية بمثابة فضيحة سياسية ود ستورية،. وزير الداخلية الالماني بيتر فريدرش من الحزب الاجتماعي المسيحي الاكثر يمينية والذي يقترب في بعض مواقفه، خصوصا تجاه اليسار من مواقف النازية الجديدة، بدا واضحا في موقفه ان هناك حقا ملامح يتبناها حزب اليسار او قوى داخله تسعى لاقامة دكتاتورية البروليتارية على النمط الماركسي – الليليني ، و لهذا يرى هذا الوزير الديمقراطي ضرورة استمرار جهاز المخابرات بالتجسس على الحزب وقوى اليسار الاخرى، متهما اياها بتوظيف الحقوق الديمقراطية لحماية الفوضويين والمتطرفيين اليساريين منتقدا حزب اليسار لرفضه الحرب في افغانستان باعتبار ان ذلك يحد من الدفاع عن الحقوق الديمقراطية ، مذكرا ان لحزب اليسار علاقات مع احزاب كردية مسلحة ممنوعة، في اشارة لحزب العمال الكردستاني (ب ب ك)، متناسيا و صامتا عن تواطؤ و علاقات حزبه المسيحي الاجتماعي الطويلة و عمله المشترك مع ديكتاتورية بينوشيت في تشيلي و نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا.
أما المتحدث باسم الحزب الليبرالي الحر المشارك في التحالف اليميني الحاكم تجاهل جوهر المناقشة متحدثا عن« غرابة المان الغرب»و « معقولية جزئية لدى المان الشرق» ليحافظ على برقع «الدفاع عن الحريات» الذي يرتديه حزبه. أحزاب المعارضة الأخرى حاولت توظيف المناقشة لتوجيه النقد للحكومة و أدائها دون أن تعلن عن موقف تضامن صريح مع حزب اليسار، إذ أكد ممثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي على عدم قدرة أداء وزير الداخلية الارتقاء إلى مستوى المهام المناطة به، وهذا ما يؤكد توحد القوى الممثلة لرأس المال رغم أن بعضها محسوب على المعارضة، عندما يتعلق الأمر بنشاط القوى الجذرية في مواجهة الرأسمالية،
ممثلو حزب اليسار أكدوا الطبيعة غير الديمقراطية و الجائرة لهذه الممارسات معيدين إلى الأذهان ما صدر عن حزبهم من مواقف بهذا الخصوص.
كان رد فعل حزب اليسار سريعاً من خلال تصريح أصدرته قيادته بالاجماع، وذلك في اليوم الأول لنشر التقارير المذكورة، تحت عنوان «التجسس على اليسار يقوض قيم الديمقراطية البرلمانية» تناول الحدث من جميع جوانبه الفكرية و السياسية و التاريخية مما جاء فيه: « إن التجسس على نواب حزبنا يندرج ضمن سياق قانون حظر الوظائف - مرت قبل ايام الذكرى الأربعين لإصدار قوانين تمنع الشيوعيين و اليساريين من العمل في الكثير من المجالات الحكومية- ويقوض قيم الديمقراطية البرلمانية، ولقد وصل التعامل ذروته عندما تسحب الحصانة البرلمانية في بعض الولايات من البرلمانيين اليساريين، ويجري في الوقت نفسه غض النظر عن نشاطات اليمين المتطرف ووسائل تمويله». ومن جهته رئيس الكتلة البرلمانية للحزب وجه رسالة للرئاسات الثلاث مطالباً إياها بالعمل على الايقاف الفوري لعمليات المراقبة لأنها تتعارض مع روح الدستور و تقلب معادلة ممارسة الرقابة مذكراً أن مهمة الرقابة على عمل جهاز المخابرات هي من صلب مهام البرلمان الاتحادي، مشدداً على الطبيعة الديمقراطية للحزب و التزامه بالدستور في مجمل نشاطه داخل و خارج البرلمان. وفي الوقت ذاته كانت الحركات الاجتماعية، وأحزاب و قوى اليسار الالماني الأخرى أعلنت عن تضامنها مع نواب اليسار المشمولين بالمراقبة واستعدادها للمشاركة في جميع النشاطات التي تدين هذه الممارسة الشائنة التي تهدف إلى الحد من تنامي دور اليسار و تأثيره في المجتمع الالماني، وأنها معنية بايقاف هذه السياسات المؤذية التي تشمل جميع الساعين إلى بديل أكثر انسانية يتجاوز الرأسمالية وأزماتها المتوالية.