!!السودان أمام مفترق .. إما الثورة أو الدكتاتورية السافرة
جبران الجابر جبران الجابر

!!السودان أمام مفترق .. إما الثورة أو الدكتاتورية السافرة

قبل أشهر انفصل جنوب السودان عن شماله وتجذرت أكثر فأكثر مشاكل في كردفان ودارفور وشرق السودان.

لم يكن انفصال الجنوب واقعاً جديداً في العلاقات الرسمية بين البلدين واستمرت المعارك والفعالية العسكرية وتزايدت تعقيدات مشاكل المهجرين، واحتدمت الخلافات المتعلقة بالنفط.

لم تجد عباءة أمير قطر في حل قضايا دارفور ومازال الوضع في حال مناوشات بين الحكومة المركزية والمنظمات المناهضة لها في ذلك الجزء الغربي من السودان وتتأزم الأوضاع في كردفان والنيل الأزرق.

وأخطر ما في الوضع هناك هو أن إسرائيل تمكنت من تطوير علاقاتها مع دولة جنوب السودان، وأخذت تتغلغل عسكرياً واقتصادياً شيئاً فشيئاً وهذا ما يؤكد أن إسرائيل وضعت استراتيجية خاصة بجنوب السودان تمكنها من التغلغل أكثر فأكثر في عموم القارة الأفريقية وتتيح لها دوراً سلبياً في الخلافات المائية المتعلقة بمياه النيل وتمكنها من الضغط لاحقاً على مصر خاصة وأن جماهير الشعب المصري تعرف جيداً عمق الغبن، الذي سببته كامب ديفيد وتعرف جيداً عمق الإساءة إلى السيادة الوطنية بسبب تلك الاتفاقية، التي حولت سيناء إلى أرض دون سيادة مصرية حقيقية، وجعلت قضايا سيناء مرتبطة بالموافقة الإسرائيلية ولا يتعلق الأمر في واقع الحال بالتحركات العسكرية لكنه مرتبط أيضاً بالحراك السياسي في مدن وأرياف سيناء وبالمشاريع الاقتصادية التي لابد منها لتطوير سيناء ويضاف إلى ذلك مشكلة النفط المصري وأسعاره المفروضة على مصر والتي أصبحت مثالاً بارزاً على المساس بالسيادة المصرية وانتهاكها.

وفي ذلك الوضع يظل مشير السودان متأبطاً عصاه القيادية ويراكم بسياساته مزيداً من التناقضات وتعمقها وقد تتحول الأوضاع إلى عامل يفرض تشطير السودان.

لم يتكون ذلك مصادفة بل كان حصيلة سياسات أسهمت بها الانقلابات العسكرية كافة والتي تعاقبت على السودان فكان الجنرال عبود ثم كانت دكتاتورية النميري التي ازيحت في عام 1985 واستقر الوضع على حكم دكتاتوري وغلفه البشير بالدين.

تمكنت القوى الوطنية السودانية من فرض مساحات من الديمقراطية، تجلت مظاهرها في إصدار العديد من الصحف، وفي قانونية العديد من الأحزاب، إلا أن عشرات السنوات مكنت البشير من تكوين جهاز للقمع ووضع الخطوط الحمر وابتكار أساليب من تزوير إرادة الجماهير الشعبية وأردف ذلك الجهاز بتكوين حزب المؤتمر الذي يمسك بمفاصل النظام، وقد تمكنت الدكتاتورية، من بناء مؤسسات الدولة ودوائرها وجعلها مجالاً لربط موظفي الدولة بعجلات دكتاتورية البشير.

إن الارباكات الداخلية ومخاطر انفجار الوضع السوداني تسهم في صرف الحكم السوداني عن مسألتين أساسيتين أولها سياسة تنموية فعلية تشمل مختلف مكونات السودان الجغرافية، وثانيهما الحيلولة دون القدرة على مواجهة الامتداد الإسرائيلي الذي تتزايد خيوطه كلما تزايدت الخلافات مع الجنوب، ناهيك عن استغراق تفكير البشير بالاستمرارية سيكون عاملاً إضافياً في صرف الجيش السوداني عن مهامه الوطنية ولن تمكنه من مواجهة التمدد الإسرائيلي، يضاف إلى ذلك أن حكم البشير بوضعه الراهن لا يتيح له تلمس الوجهات الاستراتيجية المفصلية والتي تشكل ضرورة وطنية وتراوح العلاقات المصرية السودانية في مكانها مع استمرارية أساليب دعائية تكتيكية تظهرها وكأنها على ما يرام، وتجاهل عميق للأهمية البالغة لبناء علاقات استراتيجية مع مصر.

وهكذا تتفاعل عوامل متنوعة في السودان ويتزايد الاستياء الشعبي من الممارسات الملموسة لأجهزة الحكم وإهمالها مصالح الجماهير الشعبية، وزيادة ظواهر الفساد والبطالة ويجري في هذه الظروف ظواهر سياسة هامة حيث تتلاحم قوى المعارضة أكثر فأكثر وقد فشل البشير في شق صفوف المعارضة وتفتيتها وأخذت الحركات الطلابية تظهر على السطح حيث تزايد الاضرابات ويشار إلى تحركات نقابية وعمالية.

 يبدو البشير غارقاً في وساوس خلفتها الثورة المصرية رغم خلافاته مع مبارك وغارقاً في وساوس الحكم بعد ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية، وغارقاً في ابتكارفنون الاستمرار رئيساً وهذا ما يمكن أن يؤدي في الظروف الملموسة  إلى أن يلجأ البشير إلى تأزيم الوضع في الأطراف السودانية، وتدفعه أكثر كي يلقي جانباً بقشور الديمقراطية، وفي محصلة جملة التناقضات الداخلية والإقليمية المتكونة بفعل سياسات البشير تظل وحدة السودان مهددة.

وليس مصادفة أن يتهم الترابي بأنه يدير انقلاباً عسكرياً ولكن رد الترابي حيث أجاب بكلمة  كاذب هو دلالة أخرى على انحدار هيبة الحكم وعلى مدى عمق التناقضات بين الحكم والمعارضة التي تعلن أن تباشير الانتفاضات الثورية قريبة وليس من طريق للحفاظ على وحدة السودان وتطوره وتقدمه إلا الخلاص من حكم البشير.

إن التعقيدات السياسية وتزايد عدم الثقة بالبشير وأجهزته وتراكم المشكلات في المجتمع السوداني ناهيك عن أوضاع معاشية سيئة تضع السودان أمام مفترق فإما «الثورة أو الدكتاتورية السافرة»