مصر والأزمات المركبة.. الطريق ذو وجهة واحدة

مصر والأزمات المركبة.. الطريق ذو وجهة واحدة

يبرز مفهوم الهجمة المركبة كتعبير عن اللجوء إلى أدوات عدة في عملية الضغط على نظام أو دولة معينة، لم تنجز بعد مهمة إلحاقها بالمراكز الكبرى، ولم تتغير بشكل كامل بناها السياسية والاقتصادية. وفي الحالة المصرية، تأتي هذه الهجمة المركبة متزامنة، فمن الداخل يقودها «الفلول» والفساد الكبير داخل جهاز الدولة، ومن الخارج أعداء مصر التاريخيين المشغلين للفساد، أي الغرب عموماً.

كنتيجة لإرهاصات التحول السياسي والاقتصادي، الممكن والضروري، فيها تتعرض مصر لهذا النوع من الهجمات المركبة التي يمكن تحديد معالمها مؤخراً بهدفين أساسيين: الأول سياسي، يتمثل في تشويه دور مصر وقوتها، عبر استغلال أحداث شبيهة بأزمة الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء، وأحداث أخرى داخلية، للضغط على الحكومة المصرية في ظل دعوة موسكو لها لتكون من الدول الداعمة لمسار الحلول السياسية في المنطقة.
أما الثانية فهي اقتصادية، يجري العمل فيها عبر كبت الاستثمار في مصر، وضرب العملة المصرية وقدرة الدولة على إيفاء الديون، مع العمل على إغراق البلاد أكثر فأكثر في تبعية واسعة النطاق للمؤسسات الدولية، وصولاً إلى التلويح بالخيارات العسكرية، من خلال فتح الطريق للإرهاب، مع محاولة تجذيره ضمن الحالة المصرية.
خلال التاريخ المصري المعاصر- أي بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني- تعلمت مصر من تجاربها الخاصة، أكثر من استقبالها لنماذج عالمية بشكل مباشر. وذلك مرتبط بأمرين: الأول، مستوى الثقة العالية لدى الدولة المصرية، بسبب قدمها وتجذرها، والثاني، وهو الأساس، مرتبط بمستوى الصراع داخل جهاز الدولة المصري بين ممثلي الطبقات الاجتماعية. فقد سبق للرئيس عبد الناصر، مثلاً، بحكم صراعه من أجل النهوض بالقطاع الصناعي، والحصول على التمويل الكافي، أن توصل بالتجربة إلى ضرورة ضرب مصالح الفاسدين الكبار.
أزمة الفساد والفلول
نتيجة لسياسات العقود الماضية، والانفتاح الاقتصادي، وتدمير القطاع العام، نشأت امبراطوريات للفساد داخل جهاز الدولة، وأصبحت هناك قوى تتحكم في مصير البلاد، لم يستطع أحد الوقوف في وجها جدياً. حتى جاءت موجات الحركة الشعبية، لتفرز القوى الوطنية في الدولة المصرية، وتعطيها زخماً ثورياً. إلا أن تغيير النظام الاقتصادي- الاجتماعي اصطدم بحاجز رئيسي، هو قوى المال والفساد، وبمعادلها السياسي: الفلول، وجرت محاولات لتمييع الحراك الثوري، ودأب الفلول مراراً وتكراراً على نسب ثورة 30 حزيران لهم، مع محاولات لنسب الرئيس، عبد الفتاح السيسي، إلى جموعهم.
حول مسايرة لم تنفع
إثر ثورة 30 حزيران، حاولت الحكومة الجديدة «مسايرة» قوى المال والفلول، من خلال الإعلان عن مشروع «صندوق مصر» المعتمد على «تبرعات» يجري جمعها خصيصاً من أصحاب رؤوس الأموال. إلا أن الفكرة فشلت سريعاً بعدما نكث رجال الأعمال بوعودهم. وبعد محاولة الحكومة توفير التمويل لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، ساءت العلاقة أكثر بين الطرفين، حيث حاولت الحكومة توفير التمويل عن طريق فتح واحدة من أكثر قضايا الفساد إشكالية في مصر، وهي قضية أملاك الدولة بين القاهرة والاسكندرية، التي بيعت بسعر رخيص للشركات الخاصة كي تعمل فيها زراعياً، غير أن الشركات العقارية، وكبار السماسرة في السوق العقارية، قاموا بتحويل الأراضي إلى شقق سكنية وعقارات، مما جعل الفرق بالأسعار يقدر بين رقمي 20 مليار دولار و80 مليار دولار. وبسبب هذه القضية، تم اعتقال وزير الزراعة المصري، صلاح هلال، و فتح قضايا الفساد مما اعتبر إسفيناً في نعشه، وبداية التحول من مسايرة رؤوس الأموال، إلى الصراع العلني معها.
هل ستتحمل مصر كل هذا الضغط؟ إذ تقف البلاد أمام خيارين، إما أن تتجه الأمور صوب الانفجار، أو أن معركة كسر العظام ستنتهي الشعب المصري وجهاز دولته. وبذلك، تكون مصر قد أنجزت جزءاً من العملية الثورية، التي لا بد أن تكون نموذجاً وطنياً استقلالياً استند إلى موازين القوى ليغير بنيته بما يخدم مصالح الأكثرية الساحقة.