طهران.. بروكسل.. واشنطن

طهران.. بروكسل.. واشنطن

في ضوء تداعيات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، شهدت الأشهر القليلة الماضية تبايناً واضحاً بين الأوروبيين والولايات المتحدة، في تعاطيهما مع الحالة المستجدة. ما يفتح الباب للتساؤل حول مآلات الافتراق الأمريكي- الأوروبي في صياغة العلاقات مع إيران.

رغم النفوذ الواسع الذي تمتعت به الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً في المنطقة طيلة السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفييتي، إلا أن ذلك بدا «طارئاً» على شكل العلاقات الدولية، حيث تطلب هذا النفوذ زخماً عسكرياً وسياسياً كبيراً للتحكم بالعمليات الجارية إقليمياً، خلافاً للأوروبيين، «الأقرب» نسبياً إلى إقامة علاقات أكثر طبيعيةً مع دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فيما لو وضعت المصالح الجغرافية والاقتصادية والبشرية، كأولوية، سواء بالاستناد إلى المنطق المفترض للتاريخ أو للظروف المستجدة دولياً.
أوروبا: فصل حاسم سيأتي
منذ اللحظات الأولى لتوقيع الاتفاق مع إيران، بدا الانعطاف الأوروبي سريعاً للتعامل مع طهران، القوة الاقتصادية الإقليمية التي يحسب لها حساب دقيق فيما لو تفلتت من قيود العقوبات. فبدأت اللقاءات الأوروبية مع مسؤولين إيرانيين، لضمان حصة ما من الاستثمارات القادمة، بعد وصول نسب النمو في مجمل الدول الأوروبية العام الفائت إلى عتبة الصفر.
يستلزم هذا الانعطاف تعاطياً سياسياً مختلفاً، تحديداً في القضايا ذات الطابع الدولي، كمسألة الإرهاب وحل الملفات العالقة إقليمياً، وهو ما يبدو بطيئاً إلى حدٍ ما، بحكم التناغم الأوروبي- الأمريكي الطويل على صعيد السياسات الدولية.
لكن، وعلى اعتبار أن الانعطاف السياسي هو شرط لازم لإقامة علاقات التعاون الاستراتيجية بين الأوروبيين وإيران، فإن ذلك سيشكل- بالتوازي مع تطورات ميزان القوى الدولي- مكمن الافتراق الأوروبي الأمريكي بشكله الناجز، الذي تشكل العلاقة مع إيران واحدة من محدداته، فيما يشكل التقارب مع روسيا المحدد الأساسي لهذا الافتراق.
في هذا السياق، أكد رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز- الذي زار طهران خلال الأسبوع الماضي- في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني: «نحن في مرحلة تطبيق الاتفاق. بعد ذلك، سيفتح فصل حاسم في العلاقات بين إيران والاتحاد الأوروبي لا سابق له منذ عقود، في المجالات التجارية والسياسية».
حسابات مغايرة في واشنطن
لطالما كرر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، زبينغو بريجنسكي، أن أوروبا هي «رأس جيوسياسي يصل أمريكا بأوراسيا، مكمن الثروات في العالم». ما يعني أن وظيفة الأوروبيين- حسب وجهة النظر الأمريكية- هي الحفاظ على إمكانية الامتداد والتحكم الأمريكي في أوراسيا.
لكن ظروف التوازن الدولي الجديد، وانخفاض مستوى السيطرة الأمريكية على معظم الملفات، رفع إمكانية الاستقلالية النسبية للأوروبيين في علاقاتهم الدولية، بما يخدم مصالحهم، في ظل أزمة عامة للرساميل الكبرى، وانخفاض أرقام النمو الأوروبية.
من هنا، فإن الولايات المتحدة تضع في حساباتها تأخير التموضعات الجديدة دولياً، بما فيها العلاقات الأوروبية مع الشرق الأوسط حتى روسيا، وإن لزم الأمر تحفيز الأجنحة الفاشية داخل أوروبا نفسها.
أما على صعيد العلاقات السياسية الأمريكية- الإيرانية بعد رفع العقوبات، فإن تباعداً واضحاً ما زال قائماً، عبر عنه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مؤخراً عبر قرار يقضي بتمديد العقوبات الاقتصادية على إيران عاماً إضافياً، مؤكداً على «عدم المساس باتفاقية فيينا الموقعة في تموز الماضي»، في محاولة لاستثارة رد فعل سياسي إيراني، يعيد التوتر إلى ملفات المنطقة المشتعلة أصلاً، والتي تنحو منحى الحل السياسي، كما في الأزمتين السورية واليمنية.

آخر تعديل على الأحد, 15 تشرين2/نوفمبر 2015 02:47