زراعة التبغ السوري... موسم جديد بلا ضمانات!
سنوات طويلة من التقلبات لم تغير واقع محصول التبغ المتخبط ومستقبله الذي بات مجهولاً اعتباراً من الموسم الفائت، فمع اقتراب موسم زراعته مطلع الشهر القادم، يقف مزارعوه عند مفترق طرق في ظل غياب الدعم وارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل غير مسبوق، ليجدوا أنفسهم أمام تساؤلات ملحّة وعطشى لإجابة تروي الحيرة والقلق حول الاستمرار بزراعته وقد أنهكهم جسدياً ونفسياً وأفقرهم اقتصادياً على أمل تعافٍ قريب، أو طيّ صفحته وفقدان مصدر الرزق أمام بدائل مجهولة وغير مجدية في حال توفرها.
فهل ستتوجه السياسات الرسمية لتقديم الدعم والضمانات وإنقاذه أم إلى المزيد من الارتجال والأزمات؟!
زراعة طويلة ومرهقة
زراعة التبغ ليست كباقي المحاصيل الموسمية، بل عملية متتابعة ومعقدة تبدأ من البذار وأجور الفلاحة إلى إعداد الشتلات ونقلها للغرس مروراً بالري والتسميد والتعشيب، وصولاً إلى القطاف والتجفيف والفرز ثم التسويق. هذه الدورة تتطلب جهداً يومياً للأسرة من كبيرها إلى صغيرها مع تكلفة مرهقة وفترة طويلة تمتد نحو 8 أشهر، خاصة في المناطق الجبلية المرتفعة حيث الحيازات صغيرة والظروف المناخية القاسية، أي عمل بلا توقف، لكنه بلا ضمانات لعائد مجدٍ يوازي التعب أو حتى هامش ربح، حيث تتركز زراعته في ريفي طرطوس واللاذقية وبعض المناطق من حماة.
تعدد الأسباب ضاعف القلق!
زراعة التبغ مستمرة رغم انخفاض الإنتاج ولم تتوقف، لكن المساحات تتراجع سنوياً مع ارتفاع التكاليف من المازوت إلى الأسمدة والمبيدات كما تأمين مياه الري مع الجفاف وقلة الأمطار وتساقط البرد أحياناً، وصولاً إلى تذبذب السياسات الزراعية وآليات التسعير غير العادلة، رغم رفع سعر شراء المحصول أكثر من مرة لموسم 2024- 2025 كخطوة وصفت بالإيجابية والمشجعة حينها لكن هذا لا يحلّ معضلة الكلفة عندما تقفز أسعار مستلزمات الإنتاج بوتيرة أسرع، ليبيع المزارع بأسعار بخسة لا تضمن هامشاً معقولاً للربح.
تأخير غير مبرر
الأسوأ، أن المؤسسة العامة للتبغ لم تعتمد حتى الآن سياسة واضحة في التسعير، وأن مستحقات موسم 2024 لم تُصرف بعد كما أن محصول 2025 لا يزال بانتظار قرار استلامه دون أي إعلان أو توضيح رسمي، ما يشي بغياب أي خطة أو منهجية واضحة للحفاظ على زراعة التبغ، وتراكم هذه المسائل ينتج عنه انعدام الثقة التي تدفع المزارعين إلى تقليص المساحات أو هجرة الزراعة، ناهيك عن إغراق السوق المحلي حالياً «بالدخان المهرب والرخيص» المنافس للمنتج الوطني، ليحترق الأخير بسعر مبيع لا يوازي الجودة والجهد المبذول لإنتاجه.
وعليه، ما الذي سيشجع المزارع للاستمرار عندما يجد نفسه يزرع ليخسر لا ليكسب؟!
لا بدائل مجدية
غالبية الأراضي التي تتم زراعتها بالتبغ، هي أراضٍ جبلية صغيرة المساحة من الصعب استثمارها بمحاصيل أخرى، كما أن الانتقال لمحاصيل جديدة يتطلب وقتاً وتقنيات جديدة قد لا تكون متوفرة، ناهيك عن مشاكل في الطلب المحلي، ما يجعله الخيار الوحيد للمزارعين رغم أنه محفوف بالمخاطر والاستمرار به مجازفة أنهكت جيوبهم، لكنه «باب رزقهم الوحيد».
ما الذي يحتاجه المزارع الآن؟
التدخل العاجل في هذا الموسم، بالعمل على تثبيت الثقة المؤسسية من خلال آلية تسويق واضحة بالإعلان مبكراً عن مواعيد الاستلام ودرجات التصنيف، مع آلية تسعير مرنة تعكس التكاليف وتغطيها، حيث لا يتآكل السعر مع ارتفاع أسعار المازوت وأجور اليد العاملة والسماد، إضافة إلى تسريع صرف المستحقات بسقوف سحب معقولة وعبر قنوات دفع مضمونة.
فزراعة التبغ تستمر بسياسة دعم حقيقية لا وعود واهية، بدءاً من الزراعة ومتطلباتها إلى مستلزمات الإنتاج، مع سعر يضمن ربحاً معقولاً للفلاح، وصولاً إلى حماية السوق، حيث لا يلتهمه المهرّب أو تعرقله البيروقراطية، وضمان
حكومي بأن يكون دخول القطاع الخاص شريكاً لا بديلاً ومحتكراً أو مهمشاً للمزارع، حينها تستعيد هذه الورقة الخضراء قيمتها ويعيش الفلاح بكرامة ويجني ثمرة تعبه، فهذا حق وليس «مِنّة»، مما يضمن استدامة هذه الزراعة ومردودها الاقتصادي على مستوى البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1252
رهف ونوس