العدالة الغائبة في سورية.. تقرير أممي يكشف استمرار الاختفاءات القسرية
رغم مرور قرابة عام على سقوط سلطة النظام السابق، تكشف الأمم المتحدة أن الاختفاء القسري لا يزال جرحاً مفتوحاً في الجسد السوري.
فبحسب التقرير الصادر عن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بتاريخ 7 تشرين الثاني 2025 أنه منذ كانون الثاني 2025، تم تسجيل ما لا يقل عن 97 حالة اختطاف أو اختفاء قسري جديدة، تضاف إلى أكثر من 100 ألف مفقود منذ اندلاع الصراع.
وجاء في التقرير أن المفوضية وثّقت ما لا يقل عن 97 شخصاً اختفوا أو اختُطفوا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، في محافظات مثل السويداء، اللاذقية، حمص، وحلب، مؤكدةً أن الأرقام «تمثل الحد الأدنى فقط»، إذ تعجز المفوضية عن الوصول إلى بعض المناطق أو التواصل مع العائلات بسبب الخوف من الانتقام أو الملاحقة.
أرقام تتجاوز الحكومات وتعمّق الجراح
يشير التقرير إلى أن هذه الحالات تضاف إلى أكثر من 100 ألف شخص اختفوا خلال عهد النظام المخلوع.
ويصف المكتب الأممي هذه الظاهرة بأنها «مستمرة ومتصاعدة»، معتبراً أن استمرارها بعد «التغيير السياسي» يعني أن جذور الإفلات من العقاب ما زالت قائمة.
كما أورد التقرير أمثلة ميدانية.
بيئة غير مستقرة وخوف يكمم الأصوات
قالت المتحدثة باسم المفوضية، ثامين الكيتان (Thameen Al-Keetan)، «إن الوضع الأمني الهش في عدة مناطق سورية، واستمرار نفوذ جماعات مسلحة محلية، يجعل من المستحيل على العائلات معرفة مصير أحبّائها أو التبليغ عن حالات الاختفاء».
وأضافت: إن بعض الشهود والعائلات يتعرضون لتهديدات مباشرة عند تواصلهم مع الأمم المتحدة أو المنظمات الحقوقية، ما يؤدي إلى غياب الشفافية وتعطيل العدالة.
دعوات دولية عاجلة لتصحيح المسار
دعت المفوضية السامية السلطات السورية الجديدة إلى:
الكشف الفوري عن مصير جميع المفقودين والمختفين.
إنشاء قاعدة بيانات وطنية بالتعاون مع اللجنة الأممية للمفقودين.
تجريم الاختفاء القسري في القوانين الجديدة.
توفير حماية قانونية وإنسانية لعائلات الضحايا.
ضمان محاسبة الجناة أمام قضاء مستقل.
وشدد التقرير على أن العدالة «لن تكون ممكنة من دون إرادة سياسية حقيقية، واعتراف رسمي بحقوق الضحايا وعائلاتهم».
العدالة والانتقال السياسي... معادلة لا تنفصل
إن الملف الإنساني للمفقودين في سورية ليس قضية حقوقية فحسب، بل قضية وطنية تحدد مستقبل الدولة والمجتمع.
فكما يؤكد التقرير، لا يمكن بناء سلام دائم أو دولة قانون ما لم يتم كشف مصير المفقودين وتحقيق العدالة الانتقالية.
ولهذا فإن استكمال عملية الانتقال السياسي عبر بوابة المؤتمر الوطني العام- كإطار جامع لكل المكونات السياسية والمدنية- يمثل السبيل الواقعي والوحيد لإعادة الثقة، وكشف الحقيقة، وتحقيق العدالة الشاملة.
فالعدالة الانتقالية لا تقوم على الانتقام، بل على الاعتراف والمحاسبة والمصالحة الوطنية التي لا تترك أحداً خلف الأسوار أو في المقابر الجماعية المجهولة.
فلا يمكن لسورية أن تطوي صفحة الحرب دون أن تفتح وتعالج ملف المفقودين.
فالعدالة ليست شعاراً، بل أساساً لبناء وطن جديد يتسع للجميع.
ولن يتحقق ذلك إلا عبر مسار وطني جامع يقوده المؤتمر الوطني العام، يربط العدالة بالانتقال، والحقيقة بالمستقبل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251