النظام الصحي في سورية على حافة الانهيار

النظام الصحي في سورية على حافة الانهيار

الصحة العالمية تحذّر: ملايين السوريين بلا دواء أو رعاية- والفقراء يدفعون الثمن الأكبر.7,4 ملايين سوري بلا وصول كافٍ إلى الرعاية الصحية!

في تصريحٍ مؤلم يعكس عمق الأزمة الصحية في سورية، قالت كريستينا بيثكي، القائمة بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في سورية، بتاريخ 4 تشرين الثاني 2025، إن نحو 7,4 ملايين شخص داخل البلاد يواجهون «تراجعاً واضحاً في إمكانية الحصول على الأدوية والرعاية الصحية»، مضيفةً أن 417 مرفقاً صحياً تأثر منذ منتصف العام بخفض التمويل، فيما «جرى تعليق أو تقليص خدمات 366 مرفقاً»، ما تسبب في «فجوة حادة في الخدمات الأساسية...» «القطاع الصحي السوري يمر بمرحلة انتقال صعبة من الاستجابة الطارئة إلى التعافي، لكن انخفاض التمويل يهدد بانهيار ما تبقى من قدرته على الصمود».


أرقام صادمة...خدمات متوقفة وملايين بلا علاج


بحسب منظمة الصحة العالمية، أدّى تراجع التمويل خلال شهرين فقط إلى:
عدم تنفيذ 210 ألف إحالة طبية.
حرمان 122 ألف حالة صدمات من الاستشارات اللازمة.
تسجيل 13,700 حالة ولادة دون إشراف طبي متخصص.
عدم حصول 89 ألف شخص على خدمات الدعم النفسي.
وأضافت بيثكي أن «58% فقط من المستشفيات و23% من مراكز الرعاية الأولية تعمل بكامل طاقتها»، وأن النظام الصحي يواجه «نقصاً مزمناً في الأدوية والكهرباء والمعدات والكوادر»، فيما تتفاقم المشكلات نتيجة الجفاف وتلوث المياه وسوء الصرف الصحي وانتشار أمراض مثل الكوليرا والليشمانيا والجرب.


الفقراء أوائل الضحايا... دواء مفقود ومستشفى بلا كهرباء


معظم السوريين اليوم يعيشون تحت خط الفقر، ولا يملكون القدرة على تحمّل كلفة العلاج في القطاع الخاص. بالنسبة لهؤلاء، المستشفى الحكومي هو الملاذ الأخير- لكنه غالباً مغلق أو يعمل بقدرة محدودة.
13,700 امرأة ولدت دون إشراف طبي... هذا ليس رقماً بل قصص أمهات يخضن الولادة في ظروف خطرة بسبب غياب القابلات والمعدات.
انقطاع الكهرباء المتكرر يهدد حياة مرضى العناية المركزة وغرف العمليات، بينما يعرّض ضعف التغذية الكهربائية «سلاسل تبريد اللقاحات» للتلف، ما قد يؤدي إلى فقدان آلاف الجرعات الحيوية للأطفال. كما يواجه المواطنون في الأرياف والأحياء المهمّشة صعوبة في الحصول على مياه نظيفة أو صرف صحي، ما يعيد تفشّي الأمراض التي كانت تحت السيطرة قبل سنوات.


تمويل هشّ يهدد «بانهيار صحي» شامل


تبلغ ميزانية نداء منظمة الصحة العالمية لعام 2025 نحو 141,5 مليون دولار، إلا أن فجوة التمويل وصلت إلى 77 مليون دولار حتى تشرين الأول الماضي. وحذّرت بيثكي من أن «استمرار النقص قد يهدد النظام الصحي بالانهيار في مرحلة يُفترض أنها تمهّد للتعافي».
بالمقابل فإن الاعتماد المتزايد على المنظمات الدولية والمساعدات الطارئة بات يعكس هشاشة البنية المؤسسية الوطنية. فمعظم البرامج الصحية تنفذ اليوم بتمويل خارجي، ما يجعلها عرضة للتقليص أو التجميد عند أي تغيّر في أولويات المانحين أو الظروف السياسية.


مسؤولية الدولة... نحو شراكة لا تبعية


إن استمرار التعويل على المساعدات الإنسانية لا يمكن أن يبني نظاماً صحياً قادراً على التعافي. المطلوب هو دور وطني فاعل يعيد ترتيب الأولويات ويضمن التمويل الداخلي المستدام للقطاع الصحي.
لذلك ينبغي على الدولة أن:
تضع خطة تمويل وطنية تضمن استمرار عمل المرافق الطبية الحيوية.
تعيد تأهيل الكوادر الصحية وتحد من نزيف الهجرة الطبية.
تدعم الفئات الفقيرة عبر توفير خدمات مجانية أو بأسعار رمزية، وخاصة في المناطق الأشد تضرراً.
تحافظ على استقرار الكهرباء والمياه والأدوية الأساسية لضمان بقاء الخدمات الحيوية قيد التشغيل.
وهذا ما أشارت إليه بيثكي بقولها: «الحفاظ على استمرارية الخدمات الصحية الآن يمثل جسراً نحو تعافي سورية».
نحو تعافٍ صحي واقتصادي متكامل
القطاع الصحي ليس معزولاً عن بقية التحديات. فالفقر، وتراجع الدخل، وغلاء المعيشة، وانعدام الأمن الغذائي، كلها عوامل تزيد من هشاشة المجتمع أمام الأزمات الصحية.
فالمواطن المفقر الذي يعجز عن شراء الدواء أو الوصول إلى الطبيب، يعيش اليوم بين خيارين قاسيين: المرض بلا علاج، أو الدَّين بلا قدرة على السداد.
إن إنقاذ النظام الصحي في سورية هو خطوة أولى نحو إنقاذ المجتمع نفسه، فالتعافي لا يبدأ بالإعمار المادي فقط، بل بإحياء ما تبقى من قدرة الناس على البقاء بصحة وكرامة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1251