سياسة نقدية مشوشة في زمن ضعف الليرة
في آب 2025، أعلن عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سورية المركزي عن قرار إصدار عملة جديدة وحذف صفرين من العملة السورية، مؤكداً أن الخطوة تهدف إلى تبسيط النظام النقدي وتسهيل المعاملات اليومية دون التأثير على القدرة الشرائية؛ «حذف الأصفار سيُغيّر فقط القيمة الاسمية للعملة، دون التأثير على القدرة الشرائية».
لكن بعد أقل من شهرين، في 30 تشرين الأول 2025، أصدر المصرف تقريره اليومي للأسواق، الذي تناول الموضوع ضمن سيناريوهات محتملة، محذراً من المخاطر المحتملة لأية خطوة نقدية منفصلة عن إصلاحات اقتصادية شاملة، حيث ورد في التقرير: «إصدار فئات أعلى أو حذف الأصفار يمكن أن يسهل المعاملات اليومية ويحسن كفاءة المدفوعات، لكنه يحمل مخاطر تضخمية إذا لم يصاحبه إصلاح اقتصادي شامل».
هذا التباين بين الإعلان التنفيذي والتحليل المؤسسي أرسل رسالة مختلطة، وزاد من حالة عدم اليقين الاقتصادي في بيئة تعاني أساساً من ضعف القوة الشرائية لليرة وهشاشة الاقتصاد.
الانسجام النقدي المفقود
التباين بين تصريحات الحاكم وتقرير الأسواق يظهر غياب وحدة الخطاب النقدي، ما يضع الأفراد وقطاع الأعمال في موقف حيرة وتردد أمام القرارات المالية اليومية والاستثمارات المستقبلية.
فالخطاب الرسمي يركز على إجراء تقني محدود، بينما التحليل المؤسسي يحذر من تداعيات اقتصادية أوسع، مما يعكس ضعف التنسيق الداخلي وصعوبة ترجمة القرارات إلى واقع اقتصادي مستقر.
تأثير التخبط على الأسواق والأفراد
رسائل متناقضة، فالإعلان الرسمي يعطي انطباعاً بالقرار النهائي والتنفيذ الوشيك، بينما التقرير يعيد فتح النقاش كخيار محتمل، ما يرسل إشارة متضاربة إلى المستثمرين والأفراد.
تراجع القوة الشرائية لليرة، فحذف الأصفار لا يعالج التضخم البنيوي، ولا يحسن القدرة الشرائية، ويترك المواطن أمام ارتفاع الأسعار والفجوة بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية للعملة.
ارتباك قطاع الأعمال، فالشركات والتجار يجدون صعوبة في التخطيط المالي والتنبؤ بأسعار الصرف بسبب الخطاب النقدي غير المتسق، فقد ورد في تقرير 30/10/2025: «غياب انسجام السياسة النقدية يزيد صعوبة التنبؤ بأسعار الصرف ويضعف قدرة الشركات على التخطيط المالي طويل الأجل».
تأثير على القطاع المالي، فالبنوك ومؤسسات التحويل تواجه تحديات في إدارة السيولة والتحوط ضد انخفاض قيمة الليرة، بينما يقلل الحاكم من هذه المخاطر المباشرة، ما يعكس فجوة بين الواقع والتحليل النقدي.
التخبط يعكس ضعف الرؤية والسياسات الاقتصادية المتكاملة
خطوة حذف الأصفار وإصدار العملة الجديدة تقنية لا تعالج التضخم ولا تعيد الثقة بالعملة.
عدم انسجام الخطاب النقدي بين التنفيذ والتحليل المؤسسي أرسل رسائل متناقضة للأسواق والأفراد، مما زاد من عدم اليقين المالي والتقلبات في قطاع الأعمال.
الاقتصاد هش، القوة الشرائية منخفضة، وسعر الصرف متراجع، ما يجعل أي خطوة تقنية منفردة غير كافية لحماية الاستقرار النقدي.
وخلاصة القول: إن التخبط في الخطاب النقدي يعكس ضعف الرؤية والسياسات الاقتصادية المتكاملة، ويؤدي إلى زيادة مخاطر التضخم، وتراجع ثقة المستثمرين، وضغط إضافي على القدرة الشرائية للأفراد، ويؤكد أن الإجراءات التقنية وحدها لا تكفي دون إصلاحات اقتصادية حقيقية وشاملة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251