أعوامٌ من النزوح المستمر... بين المأساة والإمكانيات
ما زال السوريون، وبعد ما يقارب العام على سقوط سلطة الأسد، يعيشون حالة من النزوح والتنقل المستمرين، ما يمثل جرحاً غائراً وتحدياً عميقاً يستعصي على الحلول السريعة.
فعلى الرغم من توقف الحرب، إلا أن الأسباب الجذرية التي دفعت السكان، وتدفعهم، إلى ترك منازلهم ومناطقهم لا تزال قائمة؛ حيث بلغ عدد النازحين داخلياً في عموم سورية حتى أواخر العام 2023 ما يقارب 7,2 ملايين، وفقاً لبيانات مركز رصد النزوح العالمي، وعلى الرغم من عودة نحو مليون منهم إلى مناطقهم، بحسب الأمم المتحدة، إلا أن هذا الرقم مرشح للارتفاع في ظل الأوضاع الحالية؛ فوفق تصريح لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في شهر أيار من هذا العام، نزح أكثر من 670 ألف شخص منذ تشرين الثاني 2024.
بين الانفلات الأمني واستمرار الانتهاكات
يأتي الانفلات الأمني الذي تشهده مناطق عدة في طليعة الأسباب؛ فقد أدت أعمال العنف التي طالت الساحل السوري وأرياف حمص وحماة في شهر آذار الماضي إلى نزوح أكثر من 21 ألف شخص من سورية إلى شمال لبنان، وفقاً لما كشفته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تقرير لها في 14 من آب الماضي.
كذلك أفاد مكتب (أوتشا) بنزوح أكثر من 145 ألف شخص بسبب الأعمال العدائية في السويداء، 66% منهم داخل المحافظة، في حين لجأ آخرون إلى درعا وريف دمشق.
وفي السياق نفسه، وثّقت لجنة التحقيق الدولية، بحسب ما صرح به رئيسها، باولو بينهيرو في 30 من تشرين الأول الماضي، ما شهدته عدة أحياء في دمشق من نزاعات عقارية نتج عنها هجمات متفرّقة من جماعات مسلّحة، والتي أدت إلى نزوح قسريّ لعدد من العائلات إلى مناطق أخرى. بالإضافة إلى تفشي جرائم السرقة والقتل والخطف، والهجمات التي تستهدف البنى التحتية، مثل إمدادات الكهرباء والمياه.
وقد خلق هذا التشرذم الأمني بيئة من عدم اليقين والخوف، فلا يعلم المواطن من هو المسؤول عن حمايته، ومن هي الجهة التي يمكن أن يثق بها.
آثارٌ مدمرة
يؤدي النزوح المستمر إلى مزيد من استنزاف الموارد، وتفكيك أوسع للنسيج الاجتماعي. بالإضافة إلى أن غياب شريحة واسعة ومنتجة من السوريين، بالأخص الشباب والكفاءات، يعني فقداناً حاداً لرأس المال البشري، ما يلقي بظلاله على إمكانيات التعافي وإعادة الإعمار والتنمية.
كما فقد النازحون مصادر رزقهم، فيما يواجهون صعوبات في الحصول على فرص عمل في ظل الوضع الحالي، ما يساهم في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة المرتفعة أصلاً.
أما استمرار النزوح فيعني بالضرورة الاعتماد المتزايد على المساعدات الخارجية والإغاثة الإنسانية؛ ففي السويداء وحدها أرسل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة يونيسف حتى نهاية شهر تموز فقط، ما لا يقل عن 32 شاحنة مساعدات. مما يعيق العمل على بناء قدرات محلية، وتصبح المجتمعات أسيرة لدورات المساعدات، التي تتأثر بالتقلبات السياسية والاقتصادية، وتترك المعتمدين عليها في حالة من القلق الدائم.
الحل السياسي مدخل إلى الحلول المستدامة
لم يعد الحديث عن حلول مؤقتة مجدياً، بل باتَ من الضروري الاتجاه نحو حلول مستدامة تُعيد للنازحين كرامتهم وتمكنهم من العودة إلى بيوتهم، وتوقف مدّ النزوح الجديد الذي طال البلاد خلال الأشهر الماضية؛ ولا سيما أن التوغل الإسرائيلي المستمر في الجنوب منذ قرابة العام دفع بالعديد من المواطنين إلى هجرة منازلهم وقراهم، في ظل غياب إحصاءات حكومية أو دولية حول عدد النازحين من القرى الحدودية.
ولا يمكن وضع حد للتدخل الخارجي المستمر، والأزمات الداخلية المتراكمة، وضمنها أزمة النزوح، بمعزل عن حل سياسي شامل، يبدأ بعقد مؤتمر وطني عام، وتطبيق جوهر القرار 2254، وإلا ستبقى البلاد تدور في حلقة مفرغة من العنف والأزمات، التي يدفع ثمنها الغالبية المفقرة من السوريين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251
سلمى صلاح