توجيه محكمة النقض بشأن الفائدة بين الأفراد... الصلاحية القانونية والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية
أصدرت محكمة النقض العليا في سورية، توجيهاً يقضي بالتوقف عن الحكم بالفائدة القانونية أو التعويض الذي يجري مجراه بين الأفراد في الديون والمبالغ المحكوم بها أمام المحاكم، استناداً إلى المادة الثالثة من الإعلان الدستوري، التي تنص على أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.
التوجيه أثار نقاشاً واسعاً حول توقيته وسياقه وآثاره العملية، خاصة في ظل واقع سوري يعاني ضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي، وسوقاً غير موحدة تتوزع بين مناطق نفوذ متعددة.
صلاحية محكمة النقض وحدودها القانونية
من حيث المبدأ، تُعد محكمة النقض أعلى هيئة قضائية في البلاد، ومهمتها الأساسية توحيد الاجتهاد وتفسير القوانين، لا تعديلها أو إلغاؤها.
وبناءً عليه، فإن توجيهها الأخير يُعد تفسيراً قضائياً يوجّه المحاكم إلى اعتماد قراءة شرعية للمادة الثالثة من الإعلان الدستوري، لكنه لا يلغي النصوص القانونية النافذة التي تنظم التعاملات المدنية والتجارية.
الآثار السلبية المحتملة للتوجيه القضائي
بغض النظر عن قانونية التوجيه، فإن تطبيقه في الظروف الحالية يحمل انعكاسات سلبية واضحة على الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والمدنية، منها:
تراجع الإقراض الفردي، فمع غياب إمكانية التعويض أو الفائدة القانونية، سيحجم الكثير من الأفراد عن إقراض غيرهم، مما يضيق فرص التمويل الصغير والمتوسط ويضعف النشاط الاقتصادي المحلي.
اتساع التعامل النقدي المباشر (الكاش)، وذلك نتيجة انعدام الثقة بالالتزامات المؤجلة، حيث سيتجه الناس إلى التعامل النقدي الفوري بدل التسهيلات والدين، ما يحد من الدورة النقدية ويقلل من السيولة المتاحة في السوق.
انتشار المعاملات غير الرسمية، حيث سيحاول بعض الأطراف تجاوز القيود القانونية عبر اتفاقات غير موثقة أو صيغ غير رسمية للفائدة أو التعويض، ما يعمّق السوق السوداء ويضعف الرقابة القانونية.
اضطراب في الثقة التجارية، فغياب آلية واضحة لتعويض المتضرر من التأخير في السداد يخلق فجوة في الثقة، ويجعل العقود المدنية عرضة للنزاعات، خصوصاً في ظل تفاوت تطبيق التوجيه بين المحاكم.
تراجع الحركة الاقتصادية العامة، فضعف الإقراض الفردي وتراجع الائتمان غير المصرفي يؤديان إلى انكماش في النشاط التجاري المحلي، وركود في حركة الأموال، ما يفاقم الصعوبات المعيشية والاجتماعية.
السوق الممزقة والظروف غير المستقرة
في ظل سوق سوريّة غير موحدة جغرافياً واقتصادياً، وتوزع مناطق النفوذ، وتفاوت الأنظمة القانونية والإدارية، فإن مثل هذا التوجيه يُتوقع أن يُطبق بصورة غير متجانسة، ما يضاعف الفوضى القانونية ويضعف الثقة العامة بالقضاء.
كما أن ضعف الاستقرار الأمني والسياسي يجعل البيئة غير مهيأة لاستقبال تغييرات قضائية عميقة في القواعد المالية التي تمس حياة الأفراد اليومية.
الاستقرار السياسي أساس الإصلاح القانوني والاقتصادي
لا يمكن لأي إصلاح تشريعي أو قضائي أن ينجح في بيئة تعاني انقساماً سياسياً ومؤسساتياً.
فاستقرار التعاملات المالية والمدنية يبدأ من وحدة الدولة واستقرار مؤسساتها، ومن وجود سلطة تشريعية فاعلة قادرة على سن القوانين التي توازن بين المبادئ الشرعية والضرورات الاقتصادية.
المؤتمر الوطني العام بوابة الحل
من هنا، يبدو أن المؤتمر الوطني العام هو الإطار الطبيعي لاستعادة وحدة البلاد والعباد، وتوحيد الرؤية التشريعية والقضائية، وصياغة قوانين عادلة ومتوازنة تحفظ القيم الدينية والحقوق المدنية، وتعيد الثقة بين الدولة والمجتمع.
فمن خلال هذا الإطار يمكن معالجة القضايا الفقهية والقانونية الحساسة، ومنها مسألة الفائدة والتعويض، ضمن رؤية وطنية شاملة تحقق العدالة وتراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
في ظل الانقسام السياسي وتعدد مناطق النفوذ والسوق الممزقة وضعف المؤسسات، فإن مثل هذه التوجيهات قد تُحدث ارتباكاً قانونياً واقتصادياً وتدفع المجتمع نحو التعاملات النقدية المباشرة وغير الرسمية، بما يهدد استقرار الحركة التجارية والاجتماعية.
إن استقرار التعاملات المالية يبدأ من الاستقرار السياسي ووحدة البلاد، ولا يمكن لأي إصلاح قضائي أن يحقق أهدافه ما لم يكن جزءاً من مشروع وطني شامل تكون بوابته المؤتمر الوطني العام، نحو دولة عادلة موحدة ومستقرة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251