مخيم اليرموك ... واقعٌٌ سيّّئ وحياةٌٌ مريرة
سلمى صلاح سلمى صلاح

مخيم اليرموك ... واقعٌٌ سيّّئ وحياةٌٌ مريرة

لا تختلف معاناة أهالي مخيم اليرموك في دمشق، عن معاناة أهالي المناطق المهمشة والمدمرة في عموم سورية، بل يشكل وضعهم نموذجاً صارخاً للواقع الإنساني والخدمي المتردي الذي تعيشه العديد من المناطق.

فقد تحولت حياة السكان إلى صراع يومي من أجل البقاء، في ظل انهيار شبه كامل للبنى الأساسية. خاصة وأن الزائر للمخيم، لا يرى سوى أطلالٍ وشوارع مدمرة ومبانٍ مهدمة، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، بالإضافة إلى غياب الخدمات الصحية والتعليمية.


غيابٌ كامل لكل الخدمات


لعلّ أبرز مظاهر التدهور هو الانقطاع المتواصل للكهرباء، والذي يمتد إلى أيام طويلة. ما يعني توقف الأنشطة التجارية، وتعطيل الأجهزة المنزلية الضرورية، وصعوبة الدراسة والعمل، فضلاً عن التأثيرات النفسية جرّاء العيش في الظلام. ما يفضح عجز الجهات المعنية عن توفير أبسط حقوق المواطنين، ولو لساعات قليلة أسوة بمناطق مجاورة.
وبموازاة أزمة الكهرباء، يبرز نقص مياه الشرب كمعضلة أخرى تفاقم من معاناة السكان. فقد احتج عدد من السكان على اضطرارهم إلى قطع مسافات طويلة لتأمين احتياجاتهم اليومية من المياه؛ هذا الجهد المضني لا يستنزف الوقت والجهد فحسب، بل يعرضهم لمخاطر صحية وأمنية، ويشير إلى حجم الخلل في شبكات الإمداد والتوزيع، ما يضع السكان تحت ضغط مستمر للبحث عن مورد حيوي لا يمكن الاستغناء عنه.
أما غياب شبكات الصرف الصحي، فيعكس إهمالاً كبيراً، وينذر بكارثة بيئية وصحية وشيكة؛ حيث تتراكم النفايات والمياه العادمة في الشوارع والأزقة، مما يشكل بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض وانتشار الأمراض المعدية.


تناقض الخطاب الرسمي والواقع


في ظل هذا الواقع المأساوي، يبرز التناقض مع الخطاب الرسمي الذي يردد الشعارات حول «تسهيلات العودة»، والذي يتجاهل التحديات الهائلة التي يواجهها السكان، فيما لا يتعدى هذا الخطاب كونه محاولةً لتجميل صورة الوضع.
فكيف وإلى أين يُطلَب من الأسر العودة؟ بل إن غياب الخدمات، وتدهور البنى التحتية، وتفشي البطالة، وانعدام الأفق، هي عوامل تدفع من تبقى من سكان المخيم إلى الهجرة وليس العودة! وبالتالي يتحول «تسهيل العودة» إلى «مبرر للهجرة» في حلقة مفرغة من المعاناة الإنسانية.

المسؤولية تقع على عاتق الجميع


في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وشحّ الموارد الذي طال معظم القطاعات، تفتقر البلديات إلى القدرة على تمويل المشاريع الضرورية لإعادة تأهيل البنى التحتية، أو توفير الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء، بالإضافة إلى انعدام التجهيزات التقنية والخبرات المتخصصة، ما يجعل من قدرتها على معالجة الوضع الراهن أمراً مستحيلاً.
يتطلب هذا الأمر تنسيقاً حكومياً، يضم وزارات ومؤسسات متعددة، لوضع خطة استراتيجية شاملة للتعافي، يكون من أولوياتها تحسين الظروف المعيشية الأساسية. وهذا يشمل توفير مياه نظيفة، وعلاج أزمة الصرف الصحي، والرعاية الصحية، وإعادة إعمار المدارس المدمرة.


حق العودة


ما يشهده مخيم اليرموك ليس قضية منعزلة، بل نموذجاً مصغّراً لما يحدث في العديد من المناطق، وخاصة التي تعرضت للدمار. حيث يشكل صوت الأهالي المكلومين دعوة للحكومة والمجتمعات الأهلية والجهات الفاعلة لإعادة تقييم الوضع، بعيداً عن الخطابات الإعلامية، والعمل بجدية على تقديم الدعم الحقيقي لإعادة تأهيل المناطق وبناء حياة كريمة لسكانها.
فعودة السكان لا تقتصر على المكان، بل هي عودة إلى حياة كريمة وآمنة، تتوفر فيها جميع مقومات العيش الكريم. وبدون ذلك سيبقى المخيم وغيره، شاهداً على مأساة مستمرة، وتناقض مؤلم بين ما يُقال وما هو مُعاش.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1249