توثيق الملكيات في عفرين... وعود الحماية وسراب الحقوق
في منطقة عفرين، تحوّل ما يُسمّى بعملية «توثيق الملكيات» إلى سلاح إداري بوجه أصحاب الأرض بدل أن يكون وسيلة لحماية حقوقهم. فبعد فرض الإدارة الحالية على المزارعين والعائدين إبراز وثائق ملكية حديثة صادرة من حلب وموثقة من المختار، وجد كثيرون أنفسهم أمام طريق مسدود. فمنهم من فقد أوراقه خلال الحرب والنزوح، ومنهم من يعيش خارج البلاد، فيما تُرفض القيود القديمة بحجة أنها «صادرة عن النظام السابق»، لتصبح تلك الذريعة باباً لابتزاز جديد وضياع متكرر للحقوق.
صحيح أن بعض العائدين إلى بيوتهم نالوا مساعدة محدودة من الإدارة لاستعادة منازلهم بعد أن كانت تحت وضع اليد من قبل بعض عناصر الفصائل أو عائلاتهم، وتمت تسوية بعض الحالات بعد مهلة قصيرة للمستولين عليها. إلا أن كثيرين آخرين لم يحظوا بإنصاف مماثل، خصوصاً أصحاب الأراضي الزراعية ومزارع الزيتون. فغياب الوثائق «المحدّثة» جعل
أراضيهم عرضة لسيطرة ما يُعرف «بالمكاتب الاقتصادية»، التي تدير المحاصيل باسم «حماية أملاك الغائبين»، لكنها في الواقع تستثمرها لحسابها، وتقتطع منها ما تشاء تحت مسميات شتى.
في موسم الزيتون مثلاً، يدفع المزارعون المقيمون نسباً محددة من المحصول لبعض المتنفذين أو المكتب المسيطر، ولا يبقى لهم سوى القليل الذي لا يكفي لتغطية تكاليف الزراعة. أما الغائبون أو المهجّرون، فغالباً تُصادر مواسمهم بالكامل بدعوى غيابهم أو نقص أوراقهم. حتى من استعاد منزله لم يسلم من الخسارة، إذ كثيراً ما يجد بيته خالياً من محتوياته بعد الإخلاء، أو يُطالب بدفع مبلغ لإتمام التسليم.
تحت شعار «حماية حقوق الغائبين»، تُدار اليوم واحدة من أعقد ملفات الظلم الاقتصادي في المنطقة. فبدلاً من أن تُصان الحقوق، تُفتح أبواب جديدة أمام الاستغلال، ويُزرع الخوف في قلوب المزارعين الذين يعيشون أصلاً تحت ضغط الغلاء والبطالة وانهيار الدخل. وفي حين يحاول بعض العائدين بناء حياة جديدة وسط هذه الظروف القاسية، ما زال آخرون يراقبون حقولهم من بعيد، محرومين من ثمارها، يعلّقون الأمل على يوم تعود فيه الأرض إلى أصحابها الحقيقيين، وتتحول «لجان التوثيق» إلى حارس للحق لا أداة لمصادرته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249