شتاء 2025 في سورية... عبء ثقيل يحوّل التدفئة إلى رفاهية!
يحلُّ الشتاء ضيفاً ثقيلاً على السوريين منذ سنوات، فهو يرتبط بساعاتٍ طويلة من البحث عن وسيلة تدفئة للتغلب على البرد، وبات تأمينها هاجساً لمعظم العائلات التي نخر البرد عظام أفرادها واستقر فيها مورثاً المرض في ظل غيابٍ حكومي لأي حلولٍ للأزمات.
خارج الحسبة!
تشهد وسائل التدفئة ارتفاعاً في أسعارها بعد تحرير السوق، والذي فاقم معاناة السوريين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتدني القدرة الشرائية.
بالفعل انتهت الطوابير، ولم يعد هناك أزمة في تأمين مادة المازوت لتوفرها في المحطات والشوارع بكمياتٍ تفوق الحاجة أيضاً، ولكن مع رفع الدعم وتحرير السعر وربطه بسعر صرف الدولار المتقلب، سيجعلها خارج حسبة معظم العائلات محدودة الدخل لاعتمادها كوسيلة تدفئة طيلة الشتاء (ثلاثة أشهر) في المدن، وتطول الفترة في الأرياف.
فالأسرة تحتاج وسطياً برميلي مازوت للتدفئة بالحد الأدنى (400 ليتر)، أي أكثر من 4,5 مليون ل.س خلال أشهر الشتاء الثلاثة (سعر الليتر 0,95 دولار يعادل 11,115 ل.س تقريباً)، وهو مبلغ يفوق مجموع الدخل خلال هذه الأشهر، أي تدفئة بدون الحاجات الأساسية أخرى!
الحطب ليس في أفضل حال
تجاوز سعر طن الحطب 2,5 مليون ل.س، فهو وسيلة مُكلفة ومُضّرة بالصحة ولا تناسب معظم تمديدات مداخن المنازل في المدن، والأسرة تحتاج وسطياً طناً ونصف الطن خلال أشهر الشتاء بقيمة 3,750 ملايين ل.س، وتتفاوت التكلفة الإجمالية أيضاً حسب نوع الحطب وحجم الاستهلاك.
أما في الريف، فتتضاعف الكمية والتكلفة، خاصة في القرى الجبلية الباردة.
ومع ذلك فإن الحطب كبديل للتدفئة اعتمدته غالبية الأسر في السنوات الأخيرة لكنه بات مكلفاً وخاصة مع ارتفاع أسعاره، بالإضافة إلى كونه خياراً غير آمن وغير صحي لاستنشاق الروائح المنبعثة واندلاع الحرائق.
علماً أن أسعار المحروقات والحطب مرشحة للارتفاع أكثر مع اشتداد البرد وزيادة الطلب.
أحلاهما مُرّ
تباينت الآراء حول اعتماد الغاز كوسيلة تدفئة، لكن هناك إجماع على أنها غير مناسبة للعائلات وقد تلائم فرداً أو اثنين بمكان مساحته محدودة، فسعر أسطوانة الغاز 138 ألف ل.س وهي تكفي وسطياً 10 أيام تدفئة مع التقنين، حيث تتفاوت المدة حسب معدلات الاستهلاك والتبدلات بدرجة الحرارة.
أما الكهرباء، فلا يعد الاعتماد عليها مجدياً، وإن كانت تشهد حالياً تحسناً في أغلب المحافظات خلال هذه الفترة من السنة مع قلة الضغط عليها، لكن هذا لا ينفي أن الشتاء قد يشهد تقنيناً كهربائياً قاسياً كالمعتاد مع زيادة الأحمال، وفي حال رفع تعرفة الكهرباء بنسبة 800% لأعلى شريحة حسب ما تم تداوله أخيراً، فإن ذلك سيشكل عبئاً إضافياً مباشراً على حياة الأسرة وتقشف في الاستخدام حتى مع الأساسيات مقابل تحسين ساعات الوصل، محاولة لتجنب فاتورة بمئات آلاف الليرات تفاقم واقعهم المعيشي المأساوي، فمعادلة التدفئة الكهربائية خاسرة أمام أُسر لا تحتمل مزيداً من الإفقار!
البحث عن بدائل
اعتاد بعض المفقرين خلال الشتاءات السابقة على ابتكار الحلول والبدائل للتدفئة تحت ضغط ارتفاع تكاليف الوسائل التقليدية وعدم جدوى بعضها، ليجدوا أنفسهم أمام بدائل غير آمنة وغير صحية لكنها أقل تكلفة تحت وطأة الفقر والحاجة.
فلجأ البعض إلى حرق النايلون أو المواد البلاستيكية سريعة الاشتعال أو الورق والكرتون، كذلك الملابس والأحذية القديمة أو الفحم وقشور الفواكه في المدفأة مع أعواد الحطب الصغيرة لتأمين الدفء لأطفالهم، صورة تختصر المأساة المتصاعدة مع دخانٍ أسود يغطي الحي ويحرق الأنفاس ليؤذي كل من يستنشقه، خاصة الأطفال وكبار السن.
والأقسى أن يضطر البعض لدفع ثمن ملابس مهترئة (وإن بدا زهيداً)، فقط من أجل الدفء أمام جشع تجار الأزمات «بالة الحرق».
كما يضطر آخرون في بعض القرى للتحايل على الظروف وتحويل روث المواشي بطرق بدائية (الجلّة) واستخدامها أملاً بلحظة دفء أمام قسوة البرد وتوحش السوق.
وهناك التمز (مخلفات الزيتون) والقشور (الفستق والجوز)، كوسيلة رخيصة علماً أن مدفأتها غالية الثمن (50-200 دولاراً).
التدفئة رفاهية
واقعٌ مؤلمٌ يترك الغالبية العظمى المفقرة بلا أي وسيلة للتدفئة سوى زيادة الملابس ووضع القبعات الصوفية على الرؤوس مع الأغطية، دفء لا تحظى به أطراف الأطفال المُزرّقة من شدة البرد ولا يداوي آلام عجز الأهالي أمامهم، وكأنما كُتب عليهم المعاناة ليس لقدر ومشيئة إلهية بل لظلم السياسات ومشيئة الحكومة التي حرمتهم من أبسط حقوقهم وحولتها إلى رفاهية صعبة المنال أمام تكاليف تحرق الجيوب ليكون هذا الشتاء كغيره بلا دعم بل إصرار على استكمال سياسة التخلي المتعمدة عن الحق «بعيشٍ كريم».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
رشا عيد