أزمة دوائية تتفاقم بين المفقودة ومُنهاة الدعم تهدد حياة الآلاف... والوزارة تكتفي بالاعتذار!
تواجه سورية أزمة دوائية متفاقمة، باتت تهدد صحة آلاف المواطنين الذين يعانون فقدان أصناف كثيرة من الأدوية، وخاصة للأمراض المزمنة والخطِرة.
هذا ليس خبراً عابراً بل تخلياً رسمياً فاضحاً عن سياسة الدعم الدوائي المجاني، فالأزمة ممتدة من أدوية السرطان إلى أدوية التصلب اللويحي المفقودة منذ أشهر، وصولاً إلى التوقف عن صرف الوصفة الدوائية شهرياً لبعض المتقاعدين وهم بأمس الحاجة للرعاية والضمان الصحي (حقهم المسلوب أساساً)، بينما وزارة الصحة تعيد تدوير الأعذار والوعود التي لا تسعف مريضاً ولا تقدم جرعة في موعدها، كما لا تتحمل عبء فاتورة أدوية لمتقاعدٍ مفقر!
واقع مرضى التصلب اللويحي
يرزح مرضى التصلب اللويحي اليوم تحت معاناة شديدة لغياب الأدوية الضرورية للسيطرة على المرض، والتي كانت تُقدم في المشافي الحكومية بشكل دوري ومجاني، ليتوقف هذا الدعم منذ عدة أشهر، وليُترك المرضى لواقع مؤلم، يصارعون فيه أعراض المرض مع كل جرعة فائتة أمام تحدٍّ قاسٍ جسدياً ونفسياً، لما له من تأثير على تطور أو اقتراب الهجمات بعضها من بعض.
أكثر من 5000 مريض مسجل في سورية، من دمشق إلى حلب وحمص وحماة، في صف الانتظار المفتوح على التعب واحتمالية فقدان الحركة والتحكم، كون المرض يهاجم الجهاز العصبي ويضعف الألياف العصبية، مع غياب الدواء الذي يؤخر تطور المرض ويقلل نوباته.
بالمحصلة، ما يجري ليس خللاً إدارياً بسيطاً يحتمل التأجيل، بل دوامة من الألم تؤدي إلى تدهور صحي لا رجعة فيه ضمن بيئة تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية والدعم، فشكاوى المرضى وأنينهم لم يوقظ الضمير الوزاري، ولا نداءات الاستغاثة، بل عبارة «نعتذر عن التأخير» فقط!
الأدوية المهربة «ملح ع الجرح»
بالتزامن مع الانقطاع الطويل للدواء، والانتظار الأطول دون أي بارقة تلوح في الأفق لتأمين الجرعات اللازمة، يضطر البعض إلى شراء الأدوية المهربة بأسعار خيالية «تزيد الملح ع الجرح» والتعرض لخطر الأدوية المغشوشة وغير المضمونة، مما يشكل عبئاً مادياً ثقيلاً على المرضى وأسرهم، وخاصة محدودي الدخل، حيث وصل سعر الحقنة الواحدة إلى 400 دولاراً، والتي قد يحتاجها المريض أسبوعياً، مما يجعل إمكانية الحصول عليها أمراً شبه مستحيل في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة مع غياب أي برامج دعم حقيقية، لتكون النتيجة وكأنها قتل بطيء متعمد بين انقطاعها أو توفيرها بشكل متقطع أو استبدالها بالأقل فعالية ومجهولة المصدر.
استحقاق وليس «مِنّة»
تتطلب حياة المتقاعدين (الغالبية من المسنين المفقرين) رعاية خاصة، حيث يعاني معظمهم من مشكلات صحية تتطلب أدوية مكلفة ودورية، كأدوية ضغط الدم، السكري وأمراض القلب وغيرها من المكملات والفيتامينات، التي تشكل عبئاً مالياً إضافياً على كاهل هؤلاء المفقرين، أصحاب الرواتب التقاعدية المحدودة التي بالكاد تؤمن لهم الحد الأدنى من الغذاء.
فماذا عن فاتورة الأدوية ومن يؤمنها؟!
فبعد توقف صرف الوصفات الدوائية وبعض الخدمات الطبية التي كانت تقدمها المشافي الحكومية مجاناً، والتي لا ترقى إلى «ضمان صحي» ولا حتى شكل من أشكال رد الجميل، والذي يفترض أنه حق مشروع بعد سنوات طويلة من الخدمة والعمل التي خسر معها المتقاعد قوته وصحته في الخدمة العامة، فضمان صحي كريم أقل ما يمكن تقديمه!
فاتورة الأدوية الضرورية تصل إلى مئات الآلاف من الليرات شهرياً، وهي فاتورة بالضروريات وبالأنواع العادية، لتبتلع أكثر من نصف الراتب التقاعدي!
فمن المسؤول عن تأخر مشروع قانون الضمان الصحي الذي جرى الحديث عنه منذ سنوات ولم تكتب له الحياة؟
فبدلاً من تبنيه وإقراراه، تم التخلي عن أدنى التزام بفقدان الدواء من المشافي الحكومية أيضاً!
وعود خُلبية ومبررات لا تنتهي!
المبررات الرسمية تتكرر حد الابتذال، بين العقوبات وتعثر الاستيراد إلى المناقصات غير المكتملة، من مجمل التصريحات التي أدلت بها وزارة الصحة، مؤكدة تحمّل المسؤولية والاعتذار من المرضى «فهي تحتاج وقتاً»!
والأشد إيلاماً، غياب أي بدائل مدعومة أو خيارات عاجلة وخطط وبرامج إسعافية.
فالصحة حق لا يساوم عليه ولا يُقسّط على دفعات، والدواء ليس ترفاً يمكن تأجيله، والمريض لا يعيش على الاعتذار والتذرع، كما المتقاعد لا يقتات من وعود لا تأتي.
فالطلوب اليوم، خطة إنقاذ فورية وضمان صحي حقيقي وعلاج مجاني، فهذا حق مشروع للمواطن الذي ما زال يدفع الثمن من جيبه وعلى حساب صحته وكرامته، بينما يبدو أن الحكومة فقدت البوصلة وباتت منشغلة بإدارة الأعذار فقط!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247