الرواتب في سورية... جدول على الورق وتأخير في الجيب!

الرواتب في سورية... جدول على الورق وتأخير في الجيب!

وعود الوزارة في وادٍ وموظفو الدولة في وادٍ آخر، فقد مضت ثلاثة أشهر على إعلان «النظام والانضباط المالي» بما يخص مواعيد صرف الأجور للعاملين في الدولة، والنتيجة لا شيء تغيّر سوى صبر الناس.

جدول مواعيد الرواتب... الحبر لم يجفّ بعد ولكن الجيوب جفّت

منذ ثلاثة أشهر فقط، خرج وزير المالية محمد يسر برنية في تصريح بدا حينها كأنه انطلاقة جديدة نحو «ضبط الإنفاق العام» و«تنظيم مواعيد صرف الرواتب»، فحُدّدت التواريخ بدقة شبه عسكرية، من 24 إلى 30 من كل شهر لكل وزارة وجهة عامة، وجدول مرتب يفترض أن يضع حدّاً للفوضى والارتباك.

لكنّ السوريين تعلّموا أن يقرأوا بين السطور، فليس كل ما يُعلن يُطبّق، وليس كل ما يُقرّر يُنفّذ.

الجدول بقي في الأدراج، أما في الواقع «فالعجلة الإدارية» تمشي على مهلها المعتاد. بعض الوزارات تصرف في وقتها، وأخرى تتأخر خمسة أيام، وهناك من «يبدع» بتأخير عشرة أيام أو أكثر، وكأن الرواتب مجرد خيار ترفيهي لا يمسّ حياة الناس!

موظف ينتظر راتباً... لا نهاية الشهر

الناس لا تنتظر نهاية الشهر لتقبض، بل تنتظر أن «تبدأ الحياة من جديد» بعد الراتب، حتى وإن كان بالكاد يغطي فواتير الكهرباء والمواصلات.

لكن حين يتأخر الراتب، تتوقف دورة الحياة الصغيرة تلك، فالدين يزيد، والدكان يذكّر، وصاحب البيت يطالب، والخبز يُشترى بالوعد.

ومع كل تأخير، يُلقى على الموظف عبء جديد، أن يتحمل بصمت، وأن يبتلع الغصّة بلا تبرير رسمي، فلا بيان من وزارة المالية، ولا توضيح من الجهة المعنية، وكأن المسألة شأن داخلي لا يعني أحداً.

تصريحات على ورق... وأزمات على الأرض

من المثير للسخرية أن الجهات الرسمية ما زالت تتحدث عن «التنظيم المالي» و«تحسين الواقع المعيشي»، فيما لا تستطيع الالتزام بأبسط استحقاق- تسليم الراتب في موعده.

كيف يُقنع المواطن أن هناك «خطة للإصلاح الاقتصادي»، بينما عليه أن ينتظر أسبوعاً إضافياً ليتسلّم ما لا يكفي أسبوعاً واحداً من العيش؟

وكأن الراتب في سورية أصبح مثل الكهرباء، يأتي ويذهب بلا مواعيد ولا تبريرات.

في زمن الضغوط... من يدفع الثمن؟

النتيجة واضحة: من يدفع الثمن دائماً هو الموظف الصغير، الذي يعيش على فتات وعود الإصلاح، ويُطلب منه الصبر حتى على تأخير ما لا يكفيه أساساً.

من السهل على المسؤول أن يتحدث عن «التحديات المالية» و«الظروف الاستثنائية»، لكن من الصعب أن يشرح لموظف يقف في طابور الخبز كيف يمكنه الانتظار عشرة أيام أخرى دون راتب.

أسئلة بلا إجابات

  • من يراقب التزام الوزارات بالجدول الذي أُعلن رسمياً؟
  • ولماذا يُكافأ الانضباط الإداري بالتصريحات فقط، دون متابعة التنفيذ؟
  • والأهم، متى يُعامل المواطن كأولوية حقيقية، لا كمجرد رقم في جداول الرواتب؟

الحلم السنغافوري والحق البسيط

ربما لم يعد السوريون يطلبون معجزات، بل أن يُعاملوا بجدية واحترام فقط.

أن يُصدّقوا يوماً أن «الجدول المالي» ليس مجرد ديكور إداري، وأن الالتزام بالمواعيد ليس حلماً «سنغافورياً»، بل حقاً بسيطاً لموظفٍ بسيط يعيش في بلدٍ أنهكته الانتظارات.

فيا وزارة المالية، ويا حكومة، لم نعد نريد تصريحات جديدة، بل راتباً يأتي في وقته- لا بعد عشرة أيام من «الانتظار المعيشي» الذي صار مهنة بحد ذاته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1247