محاصيل المزارعين تنتظر السداد... وديونٌ بالمليارات
سارة جمال سارة جمال

محاصيل المزارعين تنتظر السداد... وديونٌ بالمليارات

يعيش المزارعون اليوم أزمة خانقة، تشكل مثالاً صارخاً على الانهيار متعدد الأبعاد الذي يعيشه القطاع الزراعي في جميع المناطق السورية، إذ يعاني الفلاحون من أعباء وضغوطات مادية تقف عائقاً أمام استمرارية أعمالهم.

وقد طرح الفلاحون عدة أسباب أدت إلى تراجع حصاد الموسم الزراعي، والصعوبات التي يواجهونها، وقدموا مطالبهم للجهات المعنية، ومنها إعفاء الفلاحين والمربين من الفوائد المصرفية لعام 2024 التي باتت عبئاً ثقيلاً عليهم، ولكن من دون جدوى، وذلك وفق ما ذكره رئيس اتحاد الفلاحين في دير الزور حمد عبود الخضر لجريدة الثورة في الـ 25 من أيلول.

عوامل طبيعية وتكاليف تشغيلية منهكة

يعاني المزارعون بالإضافة إلى العوامل المناخية والنقص الحاد في الموارد المائية، من ارتفاع مستمر في أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي. فأسعار الكهرباء الزراعية التي تُعد ضرورية لتشغيل المضخات وأنظمة الري، تشهد ارتفاعات تثقل كاهل المزارعين. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع قدرة المربين على الحفاظ على قطعانهم وتنميتها.

وتتفاقم هذه الأزمة بسبب صعوبة تأمين مياه الري، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بارتفاع تكاليف الضخ. ففي ظل ندرة المياه وتراجع مستويات المياه الجوفية، يعتمد المزارعون على المضخات لسحب المياه من الآبار، ما يتطلب كميات كبيرة من الوقود، ويجعل من عملية الضخ مكلفة للغاية، وخارج متناول العديد منهم.

عقبات وصعوبات تكللت بغياب الدعم!

وجد المزارع نفسه أمام صعوبات في بيع محصوله بسعر عادل ومناسب يغطي تكاليف الإنتاج ويحقق له هامش ربح معقول. ومن أبرز هذه العقبات عدم سداد مستحقات المزارعين مقابل محاصيل استراتيجية مثل القمح والقطن، حيث لم يسدد في دير الزور سوى 20% من ثمن الأقطان وذلك منذ شهرين. فيما يحرم هذا التأخر في السداد المزارع من السيولة اللازمة لسداد ديونه.

فقد تراكمت الديون المصرفية إلى حدود تنذر بالخطر، لتصل في دير الزور وحدها إلى 7 مليارات ليرة. هذا التراكم ليس مجرد أرقام على ورق، بل يعكس واقعاً مريراً من عدم القدرة على سداد القروض اللازمة لتمويل العمليات الزراعية، من شراء بذور وأسمدة ومبيدات، وصولاً إلى تكاليف الحراثة والري والحصاد. وما يزيد الطين بلة هو تراكم الفوائد المصرفية، التي تشكل عبئاً إضافياً، تجعل المزارع يدور في حلقة مفرغة من الديون التي لا يستطيع الخروج منها.

اقتصادٌ حر... جداً

على طريق استكمال مسار إنهاء الدعم، انتقلت مؤسسات الأعلاف والحبوب وإكثار البذار والأسمدة، التي كانت مسؤولة عن توفير المواد الزراعية الأساسية بأسعار مدعومة، إلى بيع هذه المواد للتجار بدلاً من المزارعين مباشرة. ما أفقد المزارعين السند الأساسي الذي يؤمن لهم استمرارية الإنتاج.

إن تحكم التجّار بالمواد الزراعية يعني أن سعرها بات خاضعاً لمنطق السوق الحر، بلا رقابة أو تدخل حكومي فعّال. وقد أصبح المزارع يواجه احتكاراً مزدوجاً، احتكار في شراء المدخلات الزراعية بأسعار مرتفعة، واحتكار في بيع منتجاته بأسعار متدنية يفرضها التجّار. حيث تحولت المؤسسات الداعمة للمزارعين إلى منافس لهم.

وفي ظل هذه الظروف يصبح المزارع مضطراً لبيع ممتلكاته، سواء كانت أراضيَ أو معدات أو حتى مواشيَ لتأمين المستلزمات الضرورية لمواصلة العمل، وفي ذلك مؤشر خطِر على نزيف في الأصول الزراعية، وتهديد مباشر للأمن الغذائي على المدى الطويل.

توقف الدعم الحكومي ليس خياراً

إن انسحاب الدولة من دورها الداعم للقطاع الزراعي هو نقطة تحول كارثية؛ فدمار البنى التحتية، وهجرة الأيدي العاملة، وتوقف القطاعات الإنتاجية، تجعل من التعامل مع آليات السوق الحر أمراً مستحيلاً بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين المفقرين.

المطلوب اليوم وبشكل عاجل هو إيقاف تحصيل الفوائد المصرفية لعام 2024؛ وسداد المستحقات المتأخرة للمزارعين؛ وإعادة هيكلة الديون بما يتناسب مع قدرة المزارعين، وتطوير نظام تأمين للمحاصيل ضد المخاطر المناخية. فلا يمكن تحقيق التعافي الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، والبدء بعملية التنمية من دون إعادة بناء قطاع زراعي قوي ومستدام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1246