مؤسسة ضمان الودائع خطوة نظرية ورسائل سياسية لا تجد صداها

مؤسسة ضمان الودائع خطوة نظرية ورسائل سياسية لا تجد صداها

أعلن حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية أخيراً عن إحداث مؤسسة ضمان الودائع، في خطوة وُصفت بأنها جزء من رؤية إصلاحية لإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري. على المستوى النظري، يُعد وجود مؤسسة من هذا النوع ركيزة أساسية لأي نظام مصرفي حديث، إذ تسهم في حماية أموال المودعين، وتمنع حالات الهلع المصرفي، وتدعم الاستقرار المالي.

لكن ما يبدو منطقياً على الورق، يصطدم على الفور بواقع عملي مختلف تماماً. فالمودع السوري اليوم لا يشكو من مخاطر تعثر المصارف فقط، بل من حبس السيولة وقيود السحب اليومية والأسبوعية التي تجعله عاجزاً عن التصرف بأمواله. ومع استمرار المعيقات التي تواجه التحويلات الداخلية والخارجية، إضافة إلى التذبذب الحاد في سعر الصرف واعتماد السوق الموازي كقناة رئيسية للتعاملات، تصبح أي وعود بضمان الودائع محدودة الأثر، بل أقرب إلى رسالة معنوية منها إلى إجراء اقتصادي فعّال.

الواقع أعمق من مؤسسة جديدة

لا يمكن الحديث عن ضمان الودائع دون معالجة التحديات البنيوية التي يعيشها النظام المصرفي، ومنها:
قيود على السحب والتحويلات تفقد الودائع وظيفتها الأساسية.
سياسة نقدية ضعيفة تعجز عن ضبط سعر الصرف أو تقليص الفجوة مع السوق الموازي.
تراكم انعدام الثقة لدى المواطنين نتيجة تجارب سابقة من حبس الأموال وعدم الشفافية.
وبذلك، يصبح الضمان منقوصاً في قيمته، إذ إن المودع يقيس سلامة مدخراته بقدرتها الشرائية أو بقيمتها أمام الدولار، لا بمجرد وجود مؤسسة جديدة.

الرسائل السياسية للمستثمرين

الإعلان عن مؤسسة ضمان الودائع ليس موجهاً للمودع المحلي فقط، بل يحمل أيضاً رسائل سياسية للخارج في محاولة لإظهار أن سورية تسير بخطوات إصلاحية وتتهيأ لمرحلة جذب الاستثمارات وعودة التحويلات المالية من المغتربين. غير أن هذه الرسائل تبقى بلا صدى طالما ظلت البيئة المصرفية محاصرة بالقيود، وطالما بقي الوضع الأمني والسياسي هشاً، وهو ما يشكل العائق الأكبر أمام أي مستثمر أجنبي أو مؤسسة مالية دولية تفكر بدخول السوق السورية.

الاستقرار السياسي والأمني

إحداث مؤسسة ضمان الودائع في سورية خطوة تحمل دلالات مهمة، لكنها تظل في حدود الرمزية ما لم تُرافق بإجراءات أعمق لإصلاح النظام المصرفي، وإعادة بناء الثقة بالسياسة النقدية، وتوفير بيئة آمنة وشفافة للاستثمار.
فالمستثمر الأجنبي لا يبحث عن وجود مؤسسة لضمان الودائع فقط، بل عن نظام مالي متكامل قادر على العمل بحرية وموثوقية، ضمن إطار سياسي وأمني مستقر.
وبكلمات أخرى فإن ضمان الودائع لن يكون فاعلاً ما لم يُسبق بضمان الثقة، محلياً ودولياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1240