استيراد الأحذية ... بوابة جديدة لبسط يد حيتان السوق
أصدر وزير الاقتصاد والصناعة في 17 من آب قراراً يقضي بالسماح باستيراد أنواع الأحذية كافة، وتطبيق رسوم حمائية على الأحذية الجلدية الجاهزة.
وأتى القرار معاكساً لتطلعات الصناعيين والحرفيين، بالأخص ما ذكرته جمعية الجلود في حلب، من ضرورة تقديم تسهيلات للحرفيين، مثل منح قروض الطاقة الشمسية، وتبسيط إجراءات استيراد المواد الأولية، وخفض الضرائب، ومنع استيراد الأوجه المصنعة من الجلد الطبيعي.
عواقب القرار
تحمل هذه الخطوة مخاطر جمّة تهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي، حيث ستؤدي إلى تسريع اندثار الحرف اليدوية، التي تعاني منذ سنوات طويلة من تحديات كبيرة، أهمها ارتفاع التكاليف وغياب الدعم الحكومي.
وأما فتح السوق على مصراعيه أمام الأحذية المستوردة، التي غالباً ما تكون ذات تكلفة إنتاج أقل، سيضع الحرفيين في موقف لا يحسدون عليه، وقد يجبَر من بقي منهم على التوقف عن العمل، مما يعني فقدان خبرات متراكمة عبر الأجيال وثقافة صناعية عريقة.
البطالة عنوان المرحلة وليس «الاستثمار»
عدم القدرة على الاستمرار والمنافسة ضمن سوق غارق بالمستوردات، بالأخص التركية، يهدد آلاف الأسر.
فإغلاق المصانع أو الورش الحرفية لن يقتصر على العمالة المباشرة، بل سيضرب منظومة اقتصادية متكاملة، تمتد لتشمل العاملين في قطاعات التوريد (الجلود والمواد الخام)، وورش تصنيع الإكسسوارات، وقطاعات التوزيع والنقل، وصولاً إلى بائعي التجزئة الذي سيجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة وأسعار مرتفعة.
وسيمتد التأثير السلبي على أسواق المواد الأولية المحلية، بحيث تتأثر تربية المواشي، ودباغة الجلود، الحيويتان في توفير المواد الخام الأساسية لصناعة الأحذية.
هل الصناعة المحلية عبء على الدولة؟
إذا نظرنا إلى قيمة ما كانت تنتجه صناعة الأحذية ما قبل العام 2011، فإن الصادرات حسب بيانات موسوعة المُصّدر السوري في دمشق، تخطت 200 مليون دولار عام 2010.
ولم يتوقف التصدير خلال سنوات الأزمة رغم ما عانته من تراجع وإهمال، فقد تخطت عام 2021 حاجز الـ 10 ملايين دولار، والرقم نفسه في العام 2023، بارتفاع الضعف عن عام 2022، حيث صدرت بقيمة 5 ملايين.
هذا يعني بأن دعم صناعة الأحذية والحرفيين قادر على ضخ أموال إلى الخزينة العامة، إذا ما استثمرت الدولة في هذا القطاع على الوجه الصحيح، بدلاً من اختيار حلول سريعة تخدم مصالح قلّة من المستوردين على حساب المنتجين المحليين، وعلى حساب المستهلك أيضاً، وبل على حساب الدولة نفسها.
صُدّعت الرؤوس بالمنافسة
تتكرر كلمة «المنافسة» وكأنها الحل السحري لمشكلات السوريين، لكن عند تراجع الإنتاج المحلي وتحول سلاسل التوريد نحو الاستيراد، كيف سُينافس الحرفيون والباعة الصغار وغيرهم كبار المستوردين الذي تفضّلهم الدولة على ما بقي من الشعب!
كيف ستزداد «خيارات» المستهلك، في سوق تهيمن عليه شبكات من الحيتان، وتُفقده تنوعه وتوازنه، وبالتالي تنفي مسألة «المنافسة العادلة»؟ وأين وجه «المنافسة» عندما يفقد الاقتصاد المحلي جزءاً أساسياً من قيمته المضافة، ويزيد من تبعيته للأسواق الخارجية، وتصبح قرارات السوق في يد المتحكمين بالعرض والطلب؟
المطلوب إنقاذ ما تبقى وليس إنهاءه
يبدو أن لسان حال هذا القرار يقول إما أن تصبحوا من كبار المستوردين أو لا تكونوا، وإما أن تصبحوا وكلاء للمستوردين الكبار والبضاعة الأجنبية أو تخرجوا من السوق!
وذلك في اتجاه يكرس نموذجاً لاقتصاد استهلاكي بحتاً، يضعف أحد أبرز القطاعات الحرفية التقليدية، خسارته ليست اقتصادية فحسب، بل ثقافية واجتماعية تفقد معها سورية جزءاً من هويتها الإنتاجية ومهاراتها المتراكمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1240