غياب السلطة الفاعلة في سورية... مأساة أمنية ومعيشية متفاقمة

غياب السلطة الفاعلة في سورية... مأساة أمنية ومعيشية متفاقمة

في ظل ما تمر به سورية من أزمات متراكمة منذ عقود، يبدو أن البلاد تشهد اليوم مرحلة حرجة من التدهور الأمني والاجتماعي والمعيشي، تقف فيها السلطة عاجزة- أو غير مكترثة- أمام انفلات الأوضاع وتفكك البنية المجتمعية.

ففي الوقت الذي تتفاقم فيه المعاناة الاقتصادية والخدمية، تتكاثر ظواهر مقلقة مثل الخطف بهدف الفدية، وجرائم القتل بدوافع الثأر أو تصفية الحسابات، وحوادث السطو والسرقة التي أصبحت يومية في الكثير من المناطق.

تفشي الجريمة انعكاس مباشر لغياب الدولة

إن تزايد عمليات الخطف والابتزاز في مختلف المناطق السورية لم يعد مجرد حوادث معزولة، بل تحول إلى ظاهرة تشير إلى فراغ أمني واسع. وعندما يشعر الأفراد أن لا جهة تحميهم، يصبحون عرضة للاستهداف من قبل مجموعات مسلحة تستغل هذا الفراغ لبسط نفوذها وتمويل نفسها عبر الفدية. وفي ظل ضعف الاستجابة الأمنية أو تواطؤ بعض العناصر مع هذه المجموعات، يزداد القلق الشعبي وتنتشر حالة من الرعب بين المدنيين.
أما جرائم القتل لأسباب شخصية أو ثأرية عشائرية أو حتى سياسية، فهي بدورها تكشف عن تآكل هيبة القانون. إذ يغيب القضاء الفاعل، وتضعف مؤسسات المحاسبة، فيضطر الناس إلى اللجوء إلى أساليب الانتقام الذاتي، مما يعيد إنتاج العنف بشكل دوري ويهدد الأمن المجتمعي برمّته.

الأثر النفسي والمعيشي على المواطنين

هذا الانفلات لا ينعكس فقط في التهديد الجسدي للأفراد، بل ينعكس أيضاً في تدهور الشعور العام بالأمان، وفي اضطراب الحياة اليومية للناس.
الخوف من الخروج، من التنقل، من التفاعل الاجتماعي، كلها مظاهر تزداد رسوخاً في مجتمع يعيش تحت تهديد دائم.
بالمقابل، لم تفلح السلطة في اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة هذا الانفلات، بل يُلاحظ في كثير من الأحيان تقاعسها أو انشغالها بتثبيت سلطتها بوسائل أمنية قمعية بدلاً من معالجة جوهر الأزمة. وهذا ما زاد الطين بلّة، إذ يواجه المواطن السوري اليوم أزمات متداخلة تتمثل بالتالي: أمان مفقود، كهرباء وماء وخدمات معدومة، وغلاء معيشة يسحق الطبقات الفقيرة.

انهيار اقتصادي في ظل إدارة مشلولة

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد تُعد أحد أكثر الأوجه المأساوية للوضع القائم. فقد أصبحت الأسعار ناراً لا تُطاق، بينما الرواتب بالكاد تفي بأبسط الاحتياجات. البطالة، وارتفاع معدلات الهجرة الداخلية والخارجية، وانهيار سعر العملة، كلها مؤشرات على انهيار اقتصادي شامل تُفاقمه الإدارة العاجزة عن وضع حلول حقيقية أو تنفيذ إصلاحات بنيوية.

مجتمع بلا سند

حين تغيب الدولة كمرجعية ضامنة للأمن، ومُيسّرة لحياة كريمة، تصبح حياة الأفراد عرضة للعنف، للذل، وللفوضى. وهذا ما يحدث في سورية اليوم، حيث تآكلت الثقة بين المواطنين ومؤسسات الحكم، وتحولت الدولة- في نظر كثيرين- إلى كيان مغيب أو متواطئ مع الفوضى، بدلاً من أن تكون راعية للاستقرار.

نهج اللا مبالاة والعجز

ما تعيشه سورية ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل هو انهيار شامل في الوظائف الأساسية لأي دولة: حماية المواطنين، وتوفير شروط الحياة الكريمة، وضمان العدالة.
ومادامت السلطة ماضية في نهج اللا مبالاة أو العجز، فإن الوضع مرشح للمزيد من التدهور، فيما يدفع الشعب السوري وحده الثمن- من أمنه، من حريته، ومن مستقبله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1231