ضريبة مرور الشاحنات في الرحيبة... مخالفة مؤقتة أم تمهيد لتقنين دائم؟

ضريبة مرور الشاحنات في الرحيبة... مخالفة مؤقتة أم تمهيد لتقنين دائم؟

انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي بتاريخ 19 حزيران 2025 مقطع فيديو يظهر قيام عناصر البلدية في منطقة الرحيبة بريف دمشق بفرض ضريبة مرور على الشاحنات العابرة من أحد الطرق المحلية، ما أثار استياءً واسعاً بين المواطنين والسائقين وأعاد إلى الواجهة تساؤلات مزمنة حول واقع الجباية العشوائية ومدى قانونيتها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعاني منها البلاد.

اللافت أن الاستجابة الرسمية لم تتأخر، حيث أصدرت محافظة ريف دمشق بتاريخ 20 حزيران توضيحاً أكدت فيه أن ما حدث كان «اجتهاداً فردياً» من قبل بلدية محلية، دون أي سند قانوني أو قرار صادر عن الجهات المختصة، وأنه قد تم إيقاف هذا الإجراء بناءً على شكوى رُفعت إلى المكتب الخاص (شعبة الشكاوى).
لكن، وعلى الرغم من أهمية سرعة التجاوب، فإن التوضيح نفسه يثير القلق من باب آخر. ففي ختامه وردت العبارة الآتية:

«تقرر إيقاف هذا الإجراء إلى حين صدور قرارات رسمية بهذا الشأن.»
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى، فبدلاً من إلغاء هذا الإجراء بشكل نهائي باعتباره غير قانوني، جاء التعليق مؤقتاً، وكأن التوجه يميل نحو إيجاد صيغة قانونية لإعادة فرضه مستقبلاً!

الجباية العشوائية مخالفة قانونية وتعدٍّ على الدستور

إن فرض أي رسم أو ضريبة دون وجود قانون صادر عن السلطة التشريعية هو انتهاك صريح للقانون والدستور، ويفتح الباب أمام فوضى مالية لا تحكمها ضوابط، يُترك فيها للمجالس المحلية حرية فرض الضرائب كما تشاء وتحصيل الرسوم من المواطنين، بما يتجاوز صلاحياتها ويؤسس لنمط من الابتزاز غير المعلن.
ويُفترض أن طرق النقل، سواء كانت عامة أو محلية، تُعد من المرافق الخدمية الأساسية التي تُموّل من المال العام وتُوفّر لخدمة المواطنين والاقتصاد الوطني، لا أن تتحول إلى مصدر دخل إضافي للبلديات من خلال فرض رسوم مرور، وخاصة على الشاحنات التي تمثل شرياناً أساسياً للحركة الاقتصادية ونقل البضائع.

خشية مشروعة من تقنين غير مشروع

المخاوف اليوم لا تتعلق بما حدث في الرحيبة فقط، بل بما قد يأتي لاحقاً!
فحين يُترك باب «القرارات الرسمية» مفتوحاً، دون تعهّد واضح بمنع مثل هذه الممارسات مستقبلاً، يُصبح من المشروع أن نتساءل:
هل يتم التحضير فعلاً لتقنين هذا النوع من الرسوم وفرضها على طرقات أخرى؟
وهل سيكون ذلك مقدمة لتوسيع دائرة الضرائب غير المباشرة على حساب المواطن الذي يدفع– في نهاية المطاف– ثمن كل ذلك، سواء كمنتج أو مستهلك؟
في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي تعاني منه الغالبية العظمى من السوريين، فإن أي عبء مالي إضافي يُفرض على قطاع النقل سينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات، ليضيف عبئاً جديداً على كاهل المواطن المفقَر، دون أن يقابله أي تحسن يُذكر في جودة الخدمات أو البنية التحتية.

غياب العدالة الاقتصادية والمحاسبة

السكوت عن هذه المخالفات، أو تسويغها بقرارات لاحقة، يعكس استمرار عقلية الجباية التي تعلو على مبدأ العدالة الاقتصادية.
فبدلاً من إصلاح الخلل الهيكلي في الإدارة المحلية وتحسين إيرادات الدولة من مصادر حقيقية، يتم اللجوء إلى أسهل الطرق: فرض رسوم على المواطن.
والأخطر من ذلك هو غياب المساءلة الحقيقية. فبينما وُصفت المخالفة بأنها «اجتهاد فردي»، لم نرَ أي إعلان عن محاسبة مسؤول أو توجيه إنذار أو اتخاذ إجراءات رادعة تمنع تكرار مثل هذه القرارات في بلديات أخرى.

خطوة إلى الوراء تحت غطاء القانون

ما حدث في الرحيبة، رغم صغره في الظاهر، يحمل دلالة رمزية كبرى، إنه إنذار بما قد يأتي.
فإيقاف الإجراء كان نتيجة ضغط شعبي سريع، لكن بقاء الباب مفتوحاً لتقنينه لاحقاً يبعث برسالة سلبية بأن المخالفة قد تُكافأ لاحقاً بصك قانوني.
المطلوب اليوم ليس إلغاء الضريبة غير القانونية فقط، بل إصدار توجيه مركزي واضح يحظر أي رسوم مرور على الطرق العامة دون قانون وطني صادر عن مجلس الشعب، فعليّ التمثيل، مع التأكيد على أن المواطن– لا الشاحنة– هو من يدفع الثمن، وأن القوانين يجب أن تُبنى لخدمته لا لإرهاقه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1231