انفلات التجميل... الضحايا يدفعون الثمن مرتين

انفلات التجميل... الضحايا يدفعون الثمن مرتين

في أعقاب سقوط سلطة النظام وغياب واضح للمؤسسات الرقابية، شهد قطاع التجميل فوضى غير مسبوقة، حيث عادت بقوة ظاهرة إجراء عمليات حقن «البوتوكس والفيلر» وأشباهها في مراكز التجميل على أيدي من يُطلق عليهم «أخصائيو تجميل»، وهم غالباً لا يحملون أي مؤهل طبي حقيقي يؤهلهم لممارسة هذا النوع من التدخلات شبه الطبية.

هذا الانفلات جاء مصحوباً بارتفاع حاد في الأسعار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأجور في هذه المراكز يتم تقاضيها بالدولار غالباً، رغم الانخفاض الكبير في مستوى الأمان الطبي.
فالإجراءات التي يفترض أن تُجرى في بيئات معقمة وتحت إشراف طبي صارم، باتت تُنفذ في صالونات تجميل، أو في عيادات تفتقر إلى أبسط المعايير الصحية، لكنها أقل تكلفة من المشافي وعلى أيدي الأخصائيين، لذلك فهي تستقطب شرائح مختلفة بمستويات دخلها.
الأسوأ من ذلك، أن أدوات الحقن تُستخدم في بعض الأحيان لأكثر من مريض، بكل استهتار ولا مبالاة بغاية زيادة الأرباح، ما أدى إلى ارتفاع مقلق في عدد الإصابات بالالتهابات والأمراض المعدية.

عن ماذا نتحدث بالضبط؟

«البوتوكس والفيلر» هما إجراءان تجميليان غير جراحيين يُستخدمان لتحسين مظهر الوجه وعلامات التقدم في العمر، لكنهما يختلفان في التركيب والوظيفة.
البوتوكس (Botox) هو مادة مستخلصة من سمّ البوتولينيوم تُحقن في العضلات لتقليل حركتها مؤقتاً، مما يساعد على إزالة أو تخفيف التجاعيد التعبيرية، خاصة في الجبهة، وحول العينين وبين الحاجبين.
أما الفيلر (Filler)، فهو مادة تُحقن تحت الجلد (غالباً حمض الهيالورونيك) بهدف ملء الفراغات أو تعويض الحجم المفقود، ويُستخدم لتكبير الشفاه، إبراز الخدود، ملء التجاعيد العميقة أو إعادة تشكيل الأنف والفك.
كلا الإجراءين يتطلبان خبرة طبية عالية لتفادي المضاعفات مثل التورم، الكدمات أو عدم التناسق، وينبغي أن يُجريا في بيئة طبية مرخصة وتحت إشراف مختص مؤهّل.
وهناك أيضاً ما يسمى البيرسينغ (Piercing) هو عملية ثقب الجلد أو الأنسجة في مناطق مختلفة من الجسم لوضع حلقات أو زينة، ويُعد شكلاً من أشكال تعديل الجسم. من أبرز مواضعه الشائعة الشفاه، وكذلك السرة التي تُعتبر شائعة بين النساء. يشمل البيرسينغ أيضاً الأنف (جانبياً أو في الحاجز)، الأذنين (بمختلف أجزائهما)، اللسان، الحاجب، وحتى مناطق حساسة في الجسم.
من الضروري إجراء البيرسينغ لدى مختص وبأدوات معقّمة لتفادي العدوى، إضافةً إلى الالتزام بعناية ما بعد الثقب التي قد تستغرق أسابيع أو شهوراً حسب الموضع.

غياب الجهات الرقابية... صمت وزارة الصحة ونقابة الأطباء

المسؤولية لا تقع فقط على مراكز التجميل غير المرخصة، أو على من يلجأ إليها من المواطنين (ذكوراً وإناثاً)، بل أيضاً على الجهات التي من المفترض أن تراقب وتحاسب، وعلى رأسها وزارة الصحة ونقابة الأطباء.
فالصمت المريب من هذه الجهات، وتجاهلها للانتهاكات التي تجري على مرأى ومسمع الجميع، يطرح تساؤلات جدية حول وجود إرادة حقيقية لحماية المواطنين من هذا الانفلات.
فوزارة الصحة، التي يُفترض أن تُنظم القطاع وتضبط المخالفات، غابت عن المشهد، تاركةً فراغاً كبيراً استغلته مراكز التجميل غير الشرعية لتحقيق أرباح طائلة.
أما نقابة الأطباء، التي من المفترض أن تحمي المهنة من الدخلاء، فتبدو وكأنها خارج التغطية تماماً.

الضحايا يدفعون الثمن مرتين

في نهاية المطاف المواطن هو الضحية، فمن يلجأ إلى هذه الإجراءات يُخدع بوهم الجمال السريع، ليفاجأ بعدها بمضاعفات صحية خطِرة تتطلب علاجاً طويل الأمد، وربما تدخلاً جراحياً إضافياً. وهكذا، يدفع الضحية الثمن مرتين: مرة من جيبه، ومرة من صحته.
هذا الواقع يفرض ضرورة إطلاق حملات توعية جادة، إلى جانب تحرك عاجل من الجهات الرقابية لإغلاق المراكز غير المرخصة، ومحاسبة القائمين على هذه الممارسات الخطرة.
فالسكوت على هذا الوضع لا يعني سوى شيء واحد: أن المزيد من الضحايا سيسقطون، بينما المتربحون من الفوضى يزدادون ثراءً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1230