ربّة البيت عم تنكسر بالحبة.. حتى الحبة صار إلها سعرين!
بالسوق، صار المشهد بيكسر القلب والظهر سوا... ستات البيوت بأواخر الشهر... وأوله كمان... عم يدوروا بالحارات وعلى البسطات بإيد ماسكة كيس وإيد عم تحسب كل ليرة.
ما عاد في شي اسمه كيلو... صار فيه «حبة بندورة.. حبتين خيار... كوساية صغيرة... فليفلة لو سمحت» وإذا كان في مجال بيضتين تلاتة... مو طبق.
هالطريقة بالتسوق مو شطارة... ولا اقتصاد منزلي... هي انكسار.
انكسار يومي للكرامة... للقدرة... للمعنويات.
أم عم تحاول تلم لقمة لأولادها بدون ما تبين إنه ما معها... عم تطبخ بحسابات دقيقة متل الميزان... وبتختصر كل شي إلا حبها لأولادها.
بس القهر الأكبر إنو حتى بالحبة صار في جشع واستغلال!
يعني مثلاً: طبق البيض سعره 23 ألف... بس إذا الأم بدها ٥ أو ١٠ بيضات لأنها ما معها سعر الطبق؟ البياعة بيقولولها: «البيضة بـ ١٠٠٠ ليرة»، يعني الطبق صار بـ ٣٠ ألف! وكأنو الفقير لازم يدفع أكتر لأنه فقير.
حكي ستات البيوت هي شهادات من الواقع... ومن قلب وجع السوق.
أم خالد: مبارح وقفت قدام البياع عشر دقايق عم فكر إذا بدي آخد حبتين بندورة ولا بيضتين... معي ٣٠٠٠ ليرة... وما بدي أرجع عالبيت فاضية.. حالياً الطبخة بلشت تنطبخ عالورقة قبل الغاز!
أم حسام... أم لخمسة أطفال... قالت: يا ريت فيني آخد كل شي بالكيلو متل قبل... بس هلق عم قسّم كل شي بالحبة... البيض صرنا نشتريه بالبيضة... وبس قلت للبياع: غالي! رد عليي بكل برود وقال: اللي ما معو لا يشتري! طيب إذا الفقير ما بيقدر يشتري حتى بالحبة... شو يعمل؟!
أم يوسف تقول: يا ريت في حدا يسمع صوتنا... نحنا مو شحادين... نحنا أمهات عم نحاول نعيش بكرامة... بس حتى الكرامة ما عاد لها محل بالسوق... كل يوم بشعر إني عم انهار شوي شوي.
والسؤال بعد كل هاد... ليش هيك صرنا؟ ليش كل شي ببلدنا بينقلب ضد الضعيف؟
زمان البياع إذا شاف أم عم تشتري بالحبة كان يحس... يراعي... يمكن يزيدها حبة ويقول: «الله يقويكن ويحمل معكم».
اليوم... في كتيرين منهم صاروا يتفننوا باستغلال الحبة! بدل ما تكون طريقة لتسهيل العيش... صارت وسيلة لابتزاز المفقرين.
بس يا جماعة المشكلة مو بالبياع لحاله... المشكلة بالسلطة والحكومة اللي سايبة السوق بدون أي ضابط... ولا رادع... ولا رقابة جدية...
وين الدولة؟ وين وزارة التجارة؟ وين حماية المستهلك؟
لا رقابة فعلية... ولا تسعير منطقي... ولا حضور لأبسط مسؤول!
بس خلينا نكون واضحين أكتر أنو دور الدولة ما لازم يوقف عند «الرقابة» الرقابة هي أضعف الإيمان.
الدور الحقيقي لازم يكون ضمان الأمن الغذائي والمعيشي للفقراء والمعدمين.
يعني الدولة لازم تحمي الناس مو بس من الغش... كمان من الجوع... من الإذلال... من تَحوُّل لقمة العيش لأداة إذلال واستغلال.
الفقر اليوم مو ظرف طارئ... صار حالة عامة معمّمة... مفروضة بالغصب.
والمفقرين ما عادوا ساكتين لأنهم راضين... ساكتين لأنهم ما عاد معهم صوت.
بس لازم نحكي... ولازم نطالب... مو بس بخفض الأسعار... لازم نطالب بحق العيش الكريم.
بدنا سياسات دعم حقيقية... مش بس فتات أو بطاقات وهمية.
بدنا وجود دولة فعلي... مش بس دولة بيانات وحكي وشعارات.
بدنا نعيش... مو بس ننجو بحياة ما فيها طعم الكرامة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1231