مأساة السوريين.. 14 عاماً من الألم والمعاناة آن لها أنْ تنتهي!
منذ انفجار الأزمة السورية في عام 2011، دخلَ السوريّون في دوامة من التشرّد، واللجوء، والجوع، والموت، حتى باتت هذه الأوضاع عنواناً دائماً لحياتهم اليومية. وما زالت هذه المأساة تتكرر، حاملة معها أعباء وكوارث جديدة كل يوم، تزيد من عمق الكارثة الإنسانية التي يعانيها الشعب السوري. لكن على الرغم من ذلك لم يفقد السوريون أملهم وتفاؤلهم المشروع بإنهاء مأساتهم عبر بوّابة الحل السياسي المتمثلة بتنفيذ القرار 2254 كاملاً غير منقوص، بما يضمن لهم حرية تقرير مصيرهم واستعادة وحدة بلادهم، وصولاً للتغيير الجذري والشامل المطلوب.
التشرد واللجوء... مأساة مستمرة!
بدأت رحلة التشرد مع اتساع رقعة التصعيد العسكري في المدن والقرى السورية إثر انفجار الأزمة عام 2011، حيث أجبر ملايين السوريين على مغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان، نزوحاً ولجوءاً!
تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 6.6 مليون شخص أصبحوا لاجئين خارج حدود سورية، بينما نزح 6.9 مليون آخرين داخل البلاد، يعيش معظمهم في ظروف قاسية بمخيمات تفتقر إلى الاحتياجات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي، في ظل درجات حرارة قاسية شتاءً وصيفاً.
وبنتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بالتوازي مع سوء وتردّي الخدمات العامة، استمرّت موجات اللّجوء والهجرة هرباً من الواقع المأساوي، وخاصة بالنسبة للشباب بسبب انسداد الأفق أمامهم!
ومع مستجدّات التصعيد العسكري الأخيرة، التي شملت الكثير من المدن والبلدات، بدأتْ موجاتُ نزوحٍ وتشرُّدٍ جديدة تُسجَّل، وإنْ كانت بأعدادٍ أقلَّ مِن سابقاتها، بحثاً عن أمانٍ غير مضمون وغير مُستدام!
الجوع... كارثة إنسانية!
تصاعدتْ أزمة الجوع واستمرّت بالتوسّع والتفاقم لتصبح أحدَ أكبر التحديات التي تواجه السوريّين. فمع انهيار الاقتصاد السوري وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وفي ظل حال تقسيم الأمر الواقع ومساعي تأبيده، وبذريعة العقوبات والحصار، أصبح تأمين وجبة يومية رفاهيةً تعجز عنها الغالبية المفقرة في مختلف المدن والمناطق، سواء تحت سيطرة الدولة أو غيرها!
بحسب برنامج الغذاء العالَمي، يعاني نحو 12.1 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائيّ، ممّا يجعل سورية واحدة من أكثر الدول تأثّراً بأزمة الجوع عالمياً!
وما عمَّق ذلك جملةُ السياسات الاقتصادية المعيشية الظالمة المتّبعة، بالتوازي مع زيادة معدّلات النهب والاستغلال والجشع من قبل تجّار الأزمة والفاسدين من جميع الأطراف وفي جميع مناطق تقاسم النفوذ والسيطرة، فالجوع المعمَّم نتيجة للنهب والفساد المعمم.
الموت المستمر... الحرب والكوارث
لم تكن الحرب وحدها سبب الموت للسوريين، فقد أضيفت إليها كوارث طبيعية وزيادة في الأمراض نتيجة تدهور القطاع الصحّي.
فقد تسببت الزلازل، على سبيل المثال، في تفاقم المعاناة في شِمالي سورية، حيث تهدّمت آلاف المنازل فوق رؤوس أصحابها، مضيفة فصلاً آخر من الألم إلى قصص السوريين ومأساتهم، كما أن تراجع القطاع الصحي بالتوازي مع سياسات إنهاء الدعم أسهما في تفشّي الأمراض المزمنة والأوبئة، التي تفاقمت بسبب سوء التغذية والجوع المعمَّم.
القوى المستفيدة من المأساة... الاستثمار في الألم!
وسط هذه المأساة، برزت قوى عديدة، محلياً وإقليمياً ودولياً، استفادت وما زالت من معاناة السوريين، مستثمرةً في كوارثهم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بما في ذلك بعض المنظمات الدولية، فرغم دورها في تقديم الإغاثة، فقد بات بعضها متَّهماً بالتَّسيِيْس، حيث أصبحت المساعدات الإنسانية في الكثير من الأحيان ورقةَ ضغط أو تجارةً تُدِرّ أرباحاً عبر شبكات الفساد، وكذلك الضغط والاستثمار بورقة اللاجئين، سواء من أجل الحصول على مكاسب سياسية او من أجل الحصول على الدعم المالي.
وتصدّر المشهد محلّياً قوى الأمر الواقع، وأمراء الحرب والتجّار الفاسدون من جميع الأطراف، الذين أثْروا على حساب الجَوعَى والمشرَّدين، حيث استغلَّ هؤلاء سوءَ الوضع وتراخي الرقابة وتفشّي الفساد لنهب المساعدات واحتكار السّلع الأساسية، ممّا جعل الحياة أكثر قسوة على السوريّين، فقد ساهمت قوى النهب والفساد في تعميق الجراح، كذلك ساهمت بالتعاون مع قوى الأمر الواقع بإبقاء الأزمة مستعصيةً على الحلّ طيلة السنين الماضية، للحفاظ على مصالحها ومكاسبها على حساب استمرار عذابات السوريين!
الأبعاد الاجتماعية والنفسية
لا تقتصر معاناةُ السوريين على الجوع والتّشرد واللّجوء والنزوح والخسائر المادية فقط، بل تتعدّاها إلى أبعاد اجتماعية ونفسية عميقة.
فقد حُرِمَ جيلٌ كامل من الأطفال من التعليم، خاصّةً في ظل تعدُّد المناهج التعليمية بالتوازي مع تراجع العملية التعليمية، ممّا يُنذِر بمستقبلٍ مَجهول، كما يعاني الآلاف من اضطراباتٍ نفسيّة نتيجة الصدمات المتكرّرة وفقدان الأحبة.
وبسبب الوضع الاقتصادي المعيشي المتردّي، وارتفاع معدّلات الفقر والجوع، تزايدت معدّلات الجريمة، بالتوازي مع تفشّي الكثير من الظواهر والآفات السلبية والهدّامة اجتماعياً، كالدّعارة والمخدّرات وغيرها... التي أصبح لها شبكاتٌ تديرها وتستفيد منها.
الآمال المعلَّقة والتفاؤل المشروع
14 عاماً من الألم والمعاناة وضَّحتْ للعالَم أجمَع مدى صمود وتكاتف الشعب السوري، في مناطق وجوده تحت سيطرة قوى الأمر الواقع داخلاً، وفي بلدان اللجوء خارجاً.
فرغم الصورة القاتمة التي خيّمت على حياة ومعاش السوريّين طيلة السنين الماضية، لا يزال هناك أملٌ لديهم في إنهاء مأساتهم.
فتطلعاتهم للعودة إلى ديارهم واستقرارهم بها، وإعادة بناء بلدهم، وإنهاء الصراعات المسلَّحة، وإنقاذ أجيالهم القادمة من براثن الفقر والتشرّد والتخلّف، هي الدافع الذي يبقيهم صامدين ويحافظ على تفاؤلهم المشروع بتحقيق التَّغيير المنشود.
لكنَّ تحقيق هذا الأمل يتطلّب تضافرُ جهودِ كلِّ القوى الوطنية والشعبية، بالتعاون مع الدّول التي لها مصلحةٌ حقيقية بإعادة الاستقرار لسورية الموحَّدة أرضاً وشعباً، الأمر الذي أصبح أكثر الحاحاً من أيِّ وقتٍ مضى، وخاصةً مع موجَةِ التّصعيد الأخيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية استدراك عامل الزمن المتاح للوصول إلى الحل السياسي الشامل درءاً لمخاطر قد لا تُحمَد عقباها بحال التأخّر بذلك.
إنّ الاستجابة لمواجهة الكارثة التي يعيشُها السوريّون، من خلال تكاتف القوى الوطنية الجادّة من جميع الأطراف في المرحلة الراهنة، ستكون المؤشِّر الأبرَز للقدرة على درء المخاطر واستعادة زمام المبادرة لإنقاذ سورية والسوريين، عبر البدء بالخطوات التنفيذية للحلّ السياسي وفقاً لمندرجات القرار 2254، وصولاً للتغيير الجذري والشامل المطلوب بما يضمن استعادة وحدة البلاد وضمان مستقبل العباد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204