أزمة المواصلات لم تعد مشكلة خدمية فقط!

أزمة المواصلات لم تعد مشكلة خدمية فقط!

أصبحت أزمة المواصلات واحدة من أبرز مظاهر الاستغلال والفوضى في دمشق، فمع غياب الرقابة تحولت مراكز الانطلاق والشوارع إلى ساحات للمعاناة اليومية، تعكس مأساة المواطن في سعيه للتّنقل من الريف إلى المدينة وداخل المدينة.

ما زالت مشكلة نقص وسائل المواصلات مستمرة بنتائجها المتمثلة بالازدحام والتدافع، وقد زاد من المعاناة ما طرأ من ارتفاع على تعرفة الركوب، بشكل جنوني وغير منطقي، خاصة مع ذريعة تسعير المحروقات بالدولار وبما يعادله بالليرة، وفي قلب هذه الأزمة يقف المواطن المفقر الأكثر تضرراً منفرداً بمواجهة واقع تتشابك فيه المصالح الفردية وعوامل الفوضى والاستغلال، مع غياب الحلول في الأفق المنظور حتى الآن.
ما نشهده اليوم من حشود وازدحام المواطنين المنتظرين على المواقف وفي الشوارع ربما ليس ظاهرة جديدة، لكن الجديد المضاف هو نموذج للاستغلال الفوضوي للمواطن في ظل غياب الرقابة على التعرفة، فكل يغني على ليلاه ناحية التعرفة، حيث تطغى المزاجية فيها، بعيداً عن حسابات التكلفة وطول الخط وهوامش الربح المنطقية.
فقد استغل أصحاب السرافيس والسائقين والباصات أزمة استمرار النقص بوسائل المواصلات لفرض تعرفة مبالغ فيها، فقد دخلت التعرفة لعبة العرض والطلب المضاف إليها عامل الدولرة المستجد والمتذبذب، وصولاً إلى تعرفة عشوائية متذبذبة تتغير حسب المزاج ومستوى الازدحام، خاصة خلال ساعات الذروة والمساء.
فالتعرفة التي كانت 1000 ليرة داخل العاصمة أصبحت 3000 ليرة، وأحياناً 4000 ليرة، وقس على ذلك بحسب طول الخط وذرائع السائقين، أما التعرفة الخاصة بوسائل المواصلات بين الريف والمدينة فقد أصبحت أكثر هولاً ورعباً، فعلى سبيل المثال أصبحت تعرفة المواصلات من المدينة العمالية بعدرا إلى دمشق غير ثابتة وبدأت بمبلغ 5000 ليرة ووصلت إلى 8000 ليرة، وفي ساعات الذروة وصلت إلى 10000 ليرة!
فالمواطن المنهك، وجد نفسه اليوم أمام معركة يومية للحصول على وسيلة نقل، ناهيك عن ساعات الانتظار الطويلة المترافقة بالتوتر والإرهاق والسير لمسافات طويلة في هذا الطقس البارد، وزاد من إنهاكه التكاليف التي أصبحت باهظة جداً بالمقارنة مع دخله المحدود الذي أصبح مستنزفاً أكثر مما سبق بأشواط على وسائل المواصلات فقط.
المشكلة كبيرة جداً وخاصة بحال الحديث عن فردين من كل أسرة فقط بحاجة للتنقل يومياً ذهاباً وإياباً، للعمل والتسوق والعلاج وقضاء الاحتياجات والحاجات اليومية، فهذه الأسرة ستضطر لتكبد مبالغ يومية تقارب 32000 ليرة للتنقل داخل العاصمة، أي بحدود 700 ألف ليرة شهرياً، وبحال كانت الأسرة تقطن في الريف فإن هذا المبلغ الشهري سيتضاعف، أي بما يتجاوز 1,5 مليون ليرة شهرياً، ومع البدء بانتظام دوام طلاب المدارس والجامعات ستصبح تكاليف المواصلات الشهرية على الأسرة مبالغ مليوينة شهرياً لا يمكن بحال من الأحوال التمكن من تحملها، خاصة أن معدلات الأجور ما زالت على حالها، في ظل واقع التفلت السعري المعمم والمستند إلى الدولرة الفوضوية والاستغلالية السائدة.
على ذلك فإن أزمة المواصلات لم تعد مجرد مشكلة خدمية فقط، وانعكاساتها لم تعد محصورة بالمعاناة اليومية التي يعيشها المواطن للحصول على وسيلة نقل، بل باتت أحد أشكال التعبير عن أزمة الفوضى الاقتصادية العامة التي تفرض نفسها في هذه المرحلة، في ظل زيادة التذرع بسعر الصرف وتذبذبه وعدم ضبطه كوسيلة إضافية لزيادة معدلات الاستغلال وانفلاتها.
وما ينطبق على وسائل المواصلات داخل المدن أصبح معمماً على وسائل النقل بين المحافظات، وعلى شاحنات نقل البضائع بين المحافظات وبداخلها.
فالمعاناة من أزمة المواصلات والنقل والشحن تتزايد، وانعكاساتها السلبية تتفاقم استغلالاً ونهباً، وكل ذلك على حساب ومن جيوب المواطنين المفقرين والمنهكين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1205