المهام الملحة لمنع الانزلاق إلى الفوضى
تبرز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومحددة لمنع الانزلاق إلى الفوضى في ظل الأزمات السياسية أو الأمنية التي قد تؤدي إلى فراغ السلطة في أي دولة، وسورية ليست استثناء، إذ إن الفراغ في السلطة سيفتح الباب أمام حالة من عدم الاستقرار والفوضى.
فالحديث عن المهام الملحة التي يجب القيام بها إثر فراغ السلطة السورية أصبح أمراً حيوياً للحفاظ على الأمن والاستقرار كأولوية، وضمان الحفاظ على مؤسسات الدولة واستمرار عملها.
فالفراغ في السلطة لا يعني انهيار مؤسسات الدولة، ويجب عدم السماح بالوصول إلى ذلك، من أجل استمرار عملها والحفاظ عليها، وخاصة ضمان استمرار الخدمات الأساسية (الصحة- التعليم- الكهرباء- المياه...) كضرورة بالغة الأهمية لتجنب تزايد حال الغضب الشعبي والفوضى.
النقطة التي تعتبر ذات أهمية بالغة بهذا الصدد أيضاً هي السيطرة على السلاح المنفلت ومنع انتشار عصابات السلب والنهب.
فالفراغ في السلطة يفسح المجال لزيادة خطر السلاح المنفلت والعصابات باعتدائها على الممتلكات العامة والخاصة، الأمر الذي يعزز الفوضى ويعمق آثارها السلبية على المجتمع عموماً.
فغالباً ما يستغل الخارجون على القانون فراغ السلطة لارتكاب الجرائم والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة.
وبالملموس فقد تجاوز استخدام السلاح المنفلت في دمشق، بذريعة الابتهاج، كل الحدود، اعتباراً من الإطلاق العشوائي والكثيف للرصاص، وبمختلف صنوف الأسلحة الفردية، في الشوارع والأحياء السكنية للعاصمة، وصولاً لتسجيل الكثير من الإصابات بين المواطنين، في بيوتهم وفي الشوارع، بالرصاص الطائش من قبل البعض الأكثر طيشاً وانعداماً للمسؤولية، بما في ذلك تسجيل بعض الوفيات، بحسب ما تداولته بعض المواقع عن المراكز الإسعافية في المشافي، بالإضافة لما خلفته المقذوفات من أضرار مادية على الأبنية والسيارات، مثل زجاج السيارات ونوافذ البيوت وألواح الطاقة الشمسية.
وبالملموس أيضاً فقد تم تسجيل الكثير الكثير من حوادث الاعتداء على الأبنية والمنشآت العامة في جميع أنحاء العاصمة، انتهاكاً وتكسيراً، بغاية سلب محتوياتها من التجهيزات الكهربائية والإلكترونية بما في ذلك الفرش والمكاتب، مع التحطيم والتكسير المتعمد للممتلكات العامة من قبل البعض المنفلت بظل غياب السلطة وضياع المسؤوليات.
كذلك جرى الاعتداء على الكثير من السيارات المركونة، عامة وخاصة، بغاية سلب محتوياتها أو سرقتها.
كل ما سبق جرى وما زال مستمراً من قبل الطائشين والعصابات والمجموعات الخارجة عن القانون استغلالاً لفراغ السلطة وغياب الرقابة والمحاسبة، وهو أحد أشكال الفوضى التي يُخشى من تفاقمها.
وتبرز كذلك أهمية تأمين المتطلبات والاحتياجات المعيشية للمواطنين، وخاصة الغذائيات الأساسية كالخبز والسكر والرز والبرغل والمعلبات وغيرها، فالفراغ في السلطة، بظل حال الانفلات الأمني وانتشار مجموعات النهب والسلب، يؤدي لانكفاء عمل الأسواق وإغلاق المحال التجارية، كإجراءات احترازية مشروعة، قلقاً وخوفاً، بالإضافة لزيادة معدلات الاستغلال من قبل محتكري السلع والمواد الغذائية، وهو ما جرى ويجري عملياً، ومع استمرار ذلك فإن تأمين هذه المتطلبات الحياتية للمواطنين ستواجه الكثير من الصعوبات، وبالتالي ستعزز من فرص تكريس حال الاحتقان والغضب الشعبي وصولاً لتعميم الفوضى وتعميقها.
إن ضمان عدم التعدي على مؤسسات الدولة وضمان قيامها بعملها واستمراره، وكذلك ضمان وضبط الأوضاع الأمنية وحماية المدنيين وممتلكاتهم، وضمان استعادة الأسواق والأنشطة التجارية والاقتصادية والخدمية، وصولاً لحماية الدولة والمجتمع من الانزلاق للفوضى، كل ذلك يتطلب البدء الفوري بالإجراءات الكفيلة لترميم فراغ السلطة.
فعلى الرغم من أهمية الإعلان عن استئناف عمل الحكومة والجهات العامة، ومن أهمية الإعلان عن بعض الإجراءات الأمنية مثل منع التجول خلال ساعات محددة، فإن ذلك يعتبر إجراءات مؤقتة وغير كافية لتكريس الاستقرار والأمان المجتمعي الذي يمنع الانزلاق للفوضى!
فالاستقرار المطلوب على مستوى ملء فراغ السلطة للقيام بجميع واجبات الدولة ومهامها، بما في ذلك طبعاً مهام الدفاع عن الوطن والمواطنين من أي اعتداء داخلي أو خارجي، ومهام الحوار الوطني والتفاوض الدولي بما يضمن استقلال وسيادة القرار الوطني، ويضمن وحدة الشعب السوري وسلامة ووحدة وسيادة البلاد، هو استقرار عنوانه العريض سياسي أولاً وآخراً.
ومن مندرجات هذا العنوان العريض، وبكل اختصار، تبرز أهمية وضرورة الإسراع بتشكيل جسم حكم انتقالي يمثل القوى السياسية والمجتمعية في عموم البلاد، ويعبر تماماً عن المصالح الوطنية العامة ومصالح المواطنين الخاصة، كي يكتسب الشرعية الكافية لاتخاذ القرارات اللازمة خلال المرحلة الانتقالية، وصولاً لإعداد دستور جديد وانتخابات نزيهة وشفافة وفق القواعد الديمقراطية، مع تحديد مواعيد وجداول زمنية ملزمة، لتكتسب السلطة المنتخبة شرعيتها مباشرة من كل السوريين.
المرحلة صعبة لا شك وتتطلب تكاتف جميع السوريين بقواهم السياسية والمجتمعية لتجاوز صعوباتها بأسرع وقت ممكن، كي تستعيد البلاد سيادتها وقرارها الوطني المستقل ويستعيد السوريون حقهم بتقرير مصيرهم وبما يحقق ويضمن حاضرهم ومستقبل أبنائهم بعد كل ما عانوه من عسف خلال السنوات والعقود الطويلة الماضية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1204