العدوى المزعجة... قمل الرأس آفة تكتسح المدارس!

العدوى المزعجة... قمل الرأس آفة تكتسح المدارس!

يمثل قمل الرأس كابوساً مزعجاً للطالب وذويه على حد سواء، خاصة مع سهولة انتقال العدوى وسرعة انتشارها!

ويا للأسف فإن ضعف الاهتمام وزيادة الإهمال من قبل بعض الإدارات والجهات المعنية، إضافة إلى اكتظاظ القاعات الصفية، ساعد بزيادة انتشار الآفة وتفشيها مؤخراً، والمدارس عاجزة عن وضع حل للمشكلة في ظل واقع صحي وخدمي متردٍّ، حيث أصبحت وكأنها عصية على العلاج!
والأكثر مدعاةً للأسف أن الطالب أو التلميذ المصاب بالآفة يتأثر نفسياً بشعوره بالخزي والعار أمام أقرانه ومدرّسيه، بل وأسرته التي تضطر لعزله عن بقية أفرادها، وصولاً إلى الاكتئاب والامتناع عن الذهاب إلى المدرسة مجدداً، مع النتائج السلبية لذلك على دراسته وتحصيله العلمي!

واقع سيِّئ والتربية ما بين تحجيم المشكلة ونفيها!

بتاريخ 12 شباط من العام الحالي نشر موقع «أثر برس» شهادات لبعض المشرفين نذكر منها: «تقول مشرفة طبية من منطقة جرمانا بريف دمشق إنه خلال جولتها في إحدى المدارس فوجئت بانتشار القمل بين الطلاب بشكل كبير، ووصل الأمر إلى إغلاق شعبة صفية كاملة!».
كما بين مشرف طبي من عين ترما في ريف دمشق أن هناك حالات إصابة بالقمل في إحدى مدارس المنطقة، بحاجة إلى المساعدة الصحية للحد من انتشاره بين الطلاب.
وقد سبق لقاسيون بتاريخ 8/10/2023 أن رصدت الآفة بمادة تحت عنوان: «في ريف دمشق... القمل يغزو إحدى المدارس... والأهالي يكافحونه بما تيسر!» ومما ورد فيها: «عندما تحدثنا لأحد أطباء الصحة أكد بدوره أن الإصابة بالقمل تأتي بشكل رئيس من إهمال النظافة الشخصية، إلا أن الطالب النظيف من الممكن أن يلتقط العدوى من المدرسة برغم احتياطاته! أما المشكلة الأخطر فهي أن هذه العدوى من الممكن بسهولة أن تنتقل إلى البيوت! فالشعبة الصفية التي يكتظ بها 75 طالباً، وبحال انتشار الآفة بينهم، فهذا يعني أن 75 أسرة باتت مهددة بانتقال العدوى إليها، ومع قلة الاهتمام فإن ذلك يعني مزيداً من انتشار هذه الآفة في الوسط الاجتماعي المحيط بكل أسرة من هذه الأسر!».
فالأمر ليس بالجديد، ولم يقتصر الموضوع على ريف دمشق فقط، حيث أشار مدير دائرة الصحة المدرسية في تربية طرطوس الدكتور ناظم صالح لصحيفة «تشرين» بتاريخ 18/10/2023 إلى رصد حالات قمل في معظم مدارس المحافظة بين المتوسطة والشديدة!
والأمر لم يتوقف هنا على ما يبدو فالموضوع شمل الكثير من المدارس على اختلاف المحافظات، ويا للأسف ساعد عدم الاهتمام والإهمال من قبل إدارات المدارس بمفاقمة المشكلة!
فانعدام النظافة العامة في المدارس، وصولاً إلى اكتظاظ القاعات الدرسية، وليس انتهاء بغياب التوعية والتثقيف الصحي، فمعالجة كلّ هذا من واجبات ومسؤوليات وزارة التربية بمختلف مؤسساتها، والتي اكتفت بوصف الأمر وكأنه طبيعي!
حيث أكدت مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية د. هتون الطواشي لـموقع «أثر برس» بتاريخ 12/2/2024 «توجد حالات إصابة بالقمل بين الطلاب، يتم التعامل معها عن طريق إرسال مثقِّفات صحيّات إلى المدرسة التي توجد فيها الحالات...»، وكما أكدت أن «غياب الطالب المصاب غير ضروري، لأن تنظيف الشعر من القمل يحتاج إلى ثلاثة أيام فقط، وفي حال أنه تم إعطاء الدواء للطالب يوم الخميس يتعالج خلال يومي الجمعة والسبت، ولا يحتاج إلى يوم ثالث، إلا إذا كان القمل منتشراً في شعره بشكل كثيف».
وهنا نتساءل هل ثلاثة أيام تكفي؟
وماذا عن بيوض القمل، أو ما يعرف بالصئبان، والتي تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة للتخلص منها، حسب آراء المختصين؟!
وعلى فرض أنها تكفي فهل المواطن السوري يتمتع ببحبوحة الكهرباء والمازوت لتسخين المياه وتوفير الدفء والاستحمام؟
مع العلم أن أحد أسباب انتشار وتفشي هذه الآفة يعود إلى قلة وغياب المياه بداية، وإلى ارتفاع أسعار المنظفات بكل أصنافها، بدءاً من مساحيق الغسيل وليس انتهاء بالشامبو والصابون، والأهم أيضاً غياب مصادر الطاقة لتسخين المياه، فلا مازوت ولا كهرباء!

العلاج عبء لا بد منه!

خلال حديثنا مع أحد الصيادلة حول أسعار مستحضرات علاج ومكافحة آفة القمل، أكد أن الأسعار متغيرة، وقد ارتفعت بنحو 3 أضعاف عن العام الماضي، كما ومن المتوقع أن ترتفع مرة أخرى خلال الفترة القادمة بسبب زيادة الطلب عليها مؤخراً!
حيث يشتري الأهالي من الصيدلية علبة «شامبو» خاصة بالقمل بثمن 18 ألف ليرة سورية، لا يتجاوز حجمها 250 مل، تكفي لأربعة استخدامات، إضافة إلى بخاخ مُركّز الفعالية بسعر 28 ألف ليرة يكفي لاستخدام واحد فقط، أي إن الطفل يحتاج بالحد الأدنى إلى أربع أو خمس عبوات، لتغدو تكلفتها 140 ألف ليرة، وهنا نتحدث عن الأنواع المحلية ذات الجودة والفعالية المتوسطة، فهناك الكثير من الأنواع الأخرى التي قد تصل تكلفتها إلى ما يقارب 70 ألف ليرة، أي إن الأسرة قد تتكبد مئات الآلاف من الليرات على عدة عبوات للعلاج!
وبالنظر لطول فترة العلاج، ووجوب التنظيف المتكرر، ترتفع تكلفة علاج الطفل الواحد لتتجاوز راتب الموظف بأشواط، ما يعني أعباء إضافية تعجز العديد من الأسر عن تغطيتها، فتتجه إلى الحلول التقليدية كحلق الشعر، مع أثره النفسي السلبي على الطالب أيضاً، أو استخدام ما انتشر مؤخراً من مواد مركبة يدوياً يتم شراؤها من «البزوريّات» بسعر منخفض نسبياً، لكنها مجهولة المصدر وغير معتمدة من قبل وزارة الصحة، أو الأسوأ من ذلك وهو استخدام الكاز ذي المخاطر الصحية العديدة، كالحساسية والتسمم والالتهابات، غير الرائحة الواخزة طبعاً!
فالآفة التي يمكن اعتبارها عرضية وقابلة للعلاج في الظروف العادية (توفر المياه والكهرباء والمازوت والقدرة على تحمل التكلفة) هي غير عرضية وتصبح أكثر سرعة بالانتشار وعصية على العلاج بسبب الظروف غير العادية، بل والشاذة، بسبب ظلم وجور السياسات، والجرعات المتزايدة من الاستهتار واللامبالاة المقصودة، وهو ما يمثل العار الحقيقي!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1162
آخر تعديل على الإثنين, 19 شباط/فبراير 2024 13:15