القانون 3 وبوابات الجحيم الإضافية التي فتحها على الجهات العامة!
صدر القانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بإحداث وحوكمة وإدارة الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، وذلك «بهدف الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي»، حسب ما ورد في متنه.
فهل سيحقق القانون الهدف المعلن أعلاه، أم سيكون بالواقع التنفيذي عتبة جديدة في مسيرة استكمال تقويض القطاع العام (الاقتصادي والخدمي)، توافقاً مع السياسات الليبرالية التفريطية المتبعة منذ عقود؟!
وتجدر الإشارة إلى أنه سبق لقاسيون بتاريخ 28/1/2024 أن توقفت عند مشروع القانون حين إقراره في مجلس الشعب بمادة تحت عنوان: «خطوة جديدة نحو الخصخصة والتفريط المقونن بالجهات العامة!»، ومما ورد فيها: «القانون الجديد ربما يكون الأسوأ من ضمن مسار التشريعات التي تعدها الحكومة تماشياً مع السياسات الليبرالية التفريطية المتبعة، فهو استكمال لقانون التشاركية، مع مرونة واسعة بما يخص الشركات المحدثة بموجبه (دمجاً وتجزئةً وارتباطاً وحلاً)!».
سهولة ومرونة ومروحة استهداف واسعة!
مُنحت الحكومة (مجلس الوزراء والوزراء) بموجب مواد القانون صلاحيات واسعة بما يخص إحداث الشركات المساهمة العمومية، وبإصدار أنظمتها، وبتشكيل مجالس إدارتها، وبتسمية مدرائها التنفيذيين، وكذلك الشركات المشتركة، والشركات المساهمة العمومية القابضة!
فقد نصت المادة /3/ على ما يلي: «تحدث الشركة المساهمة العمومية بقرار من مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح مرفق بمذكرة تبريرية تعرضها عليه إحدى الوزارات المعنية بمجال عمل الشركة».
ونصت المادة /4/ الفقرة /أ/ على التالي: «يصدر النظام الأساسي للشركة المساهمة العمومية بقرار من مجلس الوزراء».
وبما يخص أنظمة الشركة المساهمة العمومية، فقد نصت المادة /6/ الفقرة /أ/ على ما يلي: «يوضع نظام العمل والعاملين في الشركة المساهمة العمومية على نحو يتفق مع قانون العمل النافذ وتعديلاته، مع مراعاة ألا تقل جميع الحقوق والمزايا للعاملين وفق هذا النظام، ومنها حقوقهم التأمينية، عن الحقوق والمزايا المقرة لهم بتاريخ نفاذ هذا القانون؛ ويصدر هذا النظام بقرار من مجلس الوزراء، بعد إقراره في الهيئة العامة للشركة».
وعلى مستوى مجالس الإدارات، فقد نصت المادة /8/ الفقرة /أ/ على ما يلي: «يشكل مجلس الإدارة بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الهيئة العامة، ويسمى فيه رئيس مجلس الإدارة ونائبه، ويحدد النظام الأساسي للشركة عدد الأعضاء على ألا يقل عن خمسة ولا يزيد على ثلاثة عشر».
وبموجب المادة /10/ الفقرة /أ/ «يسمّى المدير التنفيذي للشركة بقرار من رئيس مجلس الوزراء لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد ولمرة واحدة فقط بناءً على اقتراح مجلس الإدارة، ويكون مسؤولاً أمام مجلس الإدارة عن حسن سير العمل في الشركة، ويحدد أجره وتعويضاته في قرار تسميته وفق نظام العمل والعاملين في الشركة».
وبخصوص الشركات المساهمة العمومية القابضة فقد نصت المادة /12/ الفقرة /أ/ على ما يلي: «يحدد بقرار من مجلس الوزراء، عند إحداث الشركة المساهمة العمومية القابضة، الشركات المساهمة العمومية أو الشركات المشتركة، التي تملكها أو تديرها الشركة المساهمة العمومية القابضة بناءً على اقتراح الوزارات المعنية».
وقد نصت المادة /15/ الفقرة /أ/ بما يخص إحداث الشركة المشتركة على ما يلي: «مع مراعاة أحكام الفقرة /هـ/ من المادة /7/ من قانون الاستثمار رقم /18/ لعام 2021، تحدث الشركة المشتركة وفق أحكام قانون الشركات، بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء على مشاركة الدولة أو المؤسسات العامة أو الشركات العامة أو الشركات المساهمة العمومية أو شركات مشتركة أخرى أو وحدات الإدارة المحلية فيها، وذلك بناء على مذكرة تبريرية تعرضها على مجلس الوزراء إحدى الوزارات المعنية بمجال عمل الشركة، مرفق بها دراسة جدوى اقتصادية، وتوضّح المذكرة التبريرية بوجه خاص معايير وموجبات اختيار الشركاء من القطاع الخاص».
من الواضح أن مروحة السماحيات الممنوحة للحكومة والوزراء بموجب القانون واسعة ومرنة جداً، أما المروحة الأوسع فهي الجهات العامة التي شملها القانون كاستهداف، حيث لا استثناء لأي جهة عامة منه، بحال عقد العزم على تشميلها بمضمونه!
طغيان قوانين العمل الخاصة!
بموجب القانون تم إنهاء خضوع العاملين في الشركات المحدثة لقانون العاملين الأساسي، فقد نصت المادة /22/ الفقرة /ه/ على ما يلي: «يعد جميع العاملين في المؤسسة العامة أو الشركة العامة أو المنشأة العامة، التي تم تحويلها وفقاً لهذا القانون منقولين حكماً إلى الشركة المساهمة العمومية المحدثة، ويخضعون لنظام العمل والعاملين الخاص بالشركة المحدثة».
مع الاخذ بعين الاعتبار ما نصت عليه المادة /6/ الفقرة /أ/ بأنه: «يوضع نظام العمل والعاملين في الشركة المساهمة العمومية على نحو يتفق مع قانون العمل النافذ وتعديلاته، مع مراعاة ألا تقل جميع الحقوق والمزايا للعاملين وفق هذا النظام، ومنها حقوقهم التأمينية، عن الحقوق والمزايا المقرة لهم بتاريخ نفاذ هذا القانون».
فالحديث هنا عن قانون العمل رقم 17 وليس قانون العاملين الأساسي، وعن أنظمة العمل والعاملين الخاصة التي يتم إقرارها بكل شركة من الشركات على حدة!
ولا ندري ما ستتفتق عنه قريحة معدي أنظمة العمل والعاملين في الشركات المحدثة بموجب القانون الجديد من قضم إضافي لحقوق العاملين، وخاصة على مستوى تكريس الأجور الهزيلة والمحدودة!
إنهاء الدور الاجتماعي ومسؤوليات الدعم!
بالإضافة لفسح المجال لطغيان أنظمة العمل والعاملين الخاصة بموجب القانون الجديد، مع ما يعنيه ذلك من قضم للدور الاجتماعي المناط بالدولة عبر جهاتها العامة، فقد نصت المادة /11/ الفقرة /ب/ من القانون الجديد على ما يلي: «مع مراعاة أحكام قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم /7/ لعام 2008، وقانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2021، تقوم الشركات المساهمة العمومية بتسعير السلع أو الخدمات التي تنتجها على أسس تجارية».
على ذلك فإن جزءاً إضافياً من مهام الدولة بما يخص دورها الاجتماعي، أو بما يخص مسؤولياتها وواجباتها على مستوى الدعم، يكون قد تم ابتلاعه كليّاً بموجب المادة أعلاه!
فلا دور اجتماعي ولا تسعير اقتصادي ولا سعر مدعوم، بل تسعير تجاري فقط لا غير وبكل وضوح للسلع والخدمات، مع كل الانعكاسات السلبية لذلك على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وعلى المستوى المعيشي للغالبية المفقرة في البلاد!
بين الهدف البراق والمضمون التفريطي!
يهدف القانون بحسب المادة /2/ منه «إلى الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي، من خلال تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة، التي تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو المؤسسات والشركات العامة في ملكية أو إدارة تلك الشركات، مع الأخذ في الحسبان معايير الحوكمة، وذلك ضماناً لتحقيق الكفاءة الإدارية والاقتصادية».
لكن ضمن السماحيات التي وردت بموجب المادة /20/ من القانون، والممنوحة للحكومة، ما يلي: «يتم دمج الشركات المساهمة العمومية أو تجزئتُها أو حلّها أو تغيير جهة ارتباطها بقرار من مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح من هيئتها العامة، ويحدد القرار الصادر بهذا الشأن كيفية تنفيذ ذلك والنتائج المترتبة عليه، وفي حال حلّ الشركة أو تجزئتِها، يجب أن ينص اقتراح الهيئة العامة على كيفية تصفية الشركة مالياً، والجهات التي تؤول إليها أصول الشركة، وعلى كيفية تسوية وضع العاملين فيها».
المادة أعلاه قد تكون الأسوأ من ضمن مواد القانون، فهي تحمل في طياتها مروحةً واسعة من الاحتمالات التفريطية بجهات القطاع العام الاقتصادي والتجاري والخدمي، مع الكثير من السهولة والمرونة بتنفيذ ذلك، حيث يكتفى بموافقة الحكومة على اقتراح الهيئة العامة بما يخص (الدمج والتجزئة والحل وتغيير جهة الارتباط)!
فهل من سهولةٍ ومرونةٍ أوسعُ من ذلك؟!
فالمادة أعلاه لوحدها يمكن اعتبارها بوابة جحيم تم فتحها على الجهات العامة قاطبةً، إضافة للبوابات الأخرى التي فتحها مجمل القانون الجديد، مع ما سبقها من بوابات تم فتحها سابقاً عبر الكثير من القوانين الشبيهة التي لا تقل سوءاً (التشاركية- الاستثمار...)، ليس على مستوى الخصخصة (المعلنة وغير المعلنة) فقط، بل سيراً نحو استكمال تقويضها وقضم مهامها وصولاً لإنهائها وتصفيتها، تماشياً مع جملة السياسات الليبرالية التفريطية المتّبعة، وتتويجاً لها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1162