سياسات وخطط وآليات عمل لا تراعي مصالح الطلاب ومستقبلهم!

سياسات وخطط وآليات عمل لا تراعي مصالح الطلاب ومستقبلهم!

كعادتها تسعى وزارة التربية جاهدة للظهور بمظهر المبدع والمطور، ابتداءً من المناهج المطورة التي ابتدعتها وطبقتها خلال السنوات الماضية، مروراً بقراراتها الأخيرة بما يخص موضوع أتمتة امتحانات شهادة الثانوية العامة، وليس انتهاء بالمسارات التعليمية في التعليم الثانوي غير (الأدبي والعلمي والمهني) التي يتم التخطيط لاعتمادها ووضعها بالتنفيذ في المستقبل القريب على ما يبدو!

وربما حسناً فعلت الوزارة بتراجعها عن بدعة تطبيق نظام الأتمتة في امتحانات الثانوية العامة لهذا العام الدراسي، وتأجيله إلى العام الدراسي القادم، بعد الكثير من الاعتراضات على هذه البدعة المستجدة، وخاصة بعد الاختبارات العملية لها!
ومع ذلك فإن هذا التأجيل للعام الدراسي القادم لا يعني أن مقدمات تطبيق هذا النظام الامتحاني الضرورية ستتحقق خلال عام دراسي واحد!
فمثل هذه الخطوة الانتقالية على العملية الامتحانية من التحريري إلى المؤتمت تحتاج إلى سنوات من التدريب والاختبار، سواء بالنسبة للطلاب أو بالنسبة للكادر التدريسي، والأهم هو ما يناسب هذا الشكل الامتحاني الجديد على مستوى المناهج نفسها وطرق تدريسها!
فالمناهج الحالية ليست معدة لنظام الامتحانات المؤتمت، ولعل التجربة الفاشلة التي تم تطبيقها على بعض المواد خلال امتحانات منتصف العام كانت خير دليل على ذلك!

ضرورات غير معلنة!

على ذلك فقد كان من الأولى أن يتم التأجيل للبدء بهذا الشكل الجديد من الامتحانات المؤتمتة اعتباراً من الأول الثانوي في العام الدراسي القادم، ثم في العام الذي يليه يتم تطبيقه على الثاني الثانوي، ثم في العام التالي على طلاب شهادة الثانوية العامة، وبذلك يكون هذا النظام قد جرى تعميمه بسلاسة، بما يحقق الغايات التعليمية منه، وبما يضمن مصلحة الطلاب، وهو الأهم افتراضاً!
فعلى الرغم من كثرة الملاحظات والتحفظات على المناهج التعليمية المعدلة خلال السنوات الماضية، فقد اتبعت وزارة التربية هذا الشكل من التتالي المتسلسل فيها لكل مادة من المواد التي تم تعديل مناهجها، ولكل صف ولكل مرحلة (أساسي- ثانوي)، وصولاً إلى تعميم تعديل المناهج كافة بالنتيجة.
ما يفسح المجال للتساؤل لماذا غاب هذا التتالي المتسلسل على نظام الامتحانات المؤتمت، كي يقرر تطبيقه مباشرة على امتحانات الثانوية العامة!
فجودة الامتحانات الشكلية، التي يراد تسويقها من خلال اعتماد الأتمتة، لا يمكن لها أن تغطي على سوء العملية التعليمية!
وإلا فكيف سيساهم شكل الامتحانات المؤتمت بتحسين جودة التعليم، إن لم يتم الأخذ بعين الاعتبار ضرورات التدريب وإمكانات الطلاب والكادر التدريسي، والتوافق مع المناهج؟
لنصل إلى السؤال الأهم ما هي تلك الضرورة «غير المعلنة» التي تبرر هذه العجلة والسرعة بتطبيق الامتحانات المؤتمتة للشهادة الثانوية في العام الدراسي القادم؟!

مزيد من المنعطفات والصعوبات!

الشهادة الثانوية بالنسبة للطالب هي منعطف يقرر مصيره ومستقبله التعليمي، بعد منعطف شهادة التعليم الأساسي وما تفرضه من خيارات على الطالب!
فمع تكريس هذا النمط من العمل والآليات والتوجهات من قبل وزارة التربية والحكومة من خلفها عبر منعطفات آليات الفرز المتبعة يتم الإضرار مباشرة بالطالب وبمصلحته، بل وبمستقبله!
وبهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى أن القادم أسوأ على ما يبدو بخصوص الطلاب والمنعطفات التي تفرض عليهم للفرز والتصفية خلال مراحل دراستهم، حيث يجري الحديث عن توجه رسمي لاعتماد ما سمي بـ(مسارات تعليمية متنوعة جديدة في التعليم الثانوي)، غير تلك المتعارف عليها (الأدبي والعلمي والمهني والشرعي والفندقي والتجاري)، وذلك بإضافة خمسة مسارات جديدة كثانويات مختصة في مجال العلوم الصحية (علم الأحياء- الكيمياء)، والعلوم الهندسية (الرياضيات والفيزياء)، والعلوم الأدبية، والعلوم المهنية، مع تحديد نسبة التعليم المهني، وذلك لتكون نقطة انطلاق للكليات الموجودة في الجامعات والمعاهد، سواء العليا أم التقانية، وبالوقت نفسه تأخذ بعين الاعتبار حاجات سوق العمل!
ولا ندري ما هي مبررات اعتماد هذه المسارات الجديدة غير أنها منعطف إضافي سيوضع أمام الطلاب للتصفية والفرز والتطفيش!
فالممكنات لإحداث مثل هذه الثانويات التخصصية غير متوفرة أصلاً، لا على مستوى البنى التحتية كمدارس وتجهيزات وغيرها، ولا على مستوى الكوادر التدريسية التخصصية التي يسجل فيها النقص الشديد في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي، وخاصة الفيزياء والكيمياء والرياضات والعلوم، ولا حتى هناك سوق عمل أو جبهات عمل في البلاد تحتاج إلى هذه التخصصات الثانوية المضافة!
والأكثر من ذلك أن القبول الجامعي في التعليم العام (المجاني افتراضاً)، كعملية فرز وتصفية مضافة ومطبقة أيضاً، يتم تقليص المقبولين فيه عاماً بعد آخر، على حساب زيادة أعداد المقبولين في التعليم المأجور (الموازي والمفتوح والافتراضي) بالإضافة إلى المقبولين في التعليم الجامعي الخاص، وبحيث يتم تكريس الطبقية في مرحلة التعليم الجامعي بنتيجة جملة عوامل التصفية والفرز المتتالية خلال مراحل التعليم التي تسبقها!
فمن معه المال يستطيع استكمال تعليمه الجامعي والتخصصي، أما المفقرون فلهم سوق العمل المشوه والمسيطر عليه والاستغلالي، بفرصه المحدودة والهزيلة الأجور!

السياسات التمييزية والمنحازة!

أبسط ما وصفت به قرارات وزارة التربية وتوجهاتها من قبل المواطنين خلال السنين الماضية وحتى الآن هو التخبط والتشتت، مع العلم أنه لا تخبط ولا تشتت بذلك أبداً، بل هي سياسات رسمية تمييزية وطبقية وتطفيشية كاملة متكاملة تنفذ بدقة وبكل حرفية عبر أساليب وأنماط الغربلة والفرز والتصفية خلال مراحل التعليم (الأساسي والثانوي والجامعي، بل والدراسات العليا أيضاً)، والمستهدف منها بكل وضوح هم أبناء الغالبية المفقرة، بغاية تبديد إمكاناتهم وتحطيم آمالهم وطموحاتهم، وصولاً إلى وأد مستقبلهم من خلال تعميم الجهل في أوساط الغالبية المفقرة، مقابل احتكار العلم من قبل أبناء القلة الثرية، أي احتكار فرص العمل اللاحقة أيضاً، بعد أن احتكر آباؤهم الأسواق بما في ذلك سوق العمل، مع تحكمهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد، نهباً وفساداً ونفوذاً، استقواءً بجملة السياسات التوحشية والمنحازة المسخرة لمصلحتهم فقط لا غير، مع السعي إلى السيطرة على مستقبل البلاد أيضاً، إن أمكن لهم ذلك!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1160
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 11:03