مسيرة الدمج مستمرة على حساب حقوق العاملين والاقتصاد الوطني!
تستكمل الحكومة مسيرة عزفها على وتر دمج المؤسسات، تحت مسمى الإصلاح الإداري وترشيق البنية الإدارية وتوفير النفقات، وغيرها من المبررات والذرائع، وكأن كل تجارب الدمج المنجزة سابقاً، على كثرتها، أتت بنتائج إيجابية!
فقد ناقش مجلس الوزراء في جلسته الأسبوع الماضي مشروع الصك التشريعي المتعلق بإحداث الشركة العامة للصناعات الغذائية، من خلال دمج المؤسسة العامة للصناعات الغذائية والمؤسسة العامة للسكر، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، والتوسع في مجال المنتجات الغذائية المصنعة وفق أولويات الإنتاج الزراعي، وتعزيز التدخل الإيجابي في السوق المحلية، والاستثمار الأفضل للموارد المتاحة، ورفع جودة المنتجات وخلق فرص نمو جديدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي والتوسع بتصنيع المنتجات الغذائية، وغيره مما ورد أعلاه كغايات معلنة، لا يمكن له أن يتم إلّا من خلال عملية الدمج؟
أم أن الغايات أعلاه ما هي إلّا ذرائع لتمرير عملية الدمج كخطوة باتجاه تكريس المزيد من إضعاف الجهات المدمجة وتقويضها، تسهيلاً للتفريط فيها لاحقاً؟!
فبحال توفر النية والقرار لتحقيق الغايات أعلاه، فإنه من الممكن للحكومة أن تذلل الصعوبات التي تعاني منها هذه الشركات، خاصة على مستوى توفير موادها الأولية ومستلزمات إنتاجها، مع ملحقاتها بما يخص عمليات التسويق، والأهم، ضمان حقوق العاملين، وخاصة الأجور العادلة والكافية لتأمين مستوى معيشي وخدمي لائق!
الشركة العامة للصناعات الغذائية!
وزارة الصناعة، وحسبما صرح وزيرها، ترى بالدمج بثاً للحياة بمؤسساتها، وما يتبعها من شركات وفروع!
حيث أوضح وزير الصناعة عبد القادر جوخدار في تصريح له عقب جلسة مجلس الوزراء، أنه تم خلال الجلسة عرض ومناقشة مشروع الصك التشريعي الخاص بإحداث الشركة العامة للصناعات الغذائية، من خلال دمج المؤسسة العامة للصناعات الغذائية والشركات والمعامل التابعة لها مع المؤسسة العامة للسكر والشركات والمعامل التابعة لها، وسيكون مقر الشركة مدينة حماه وتتبع لها أربعة فروع، وهي فرع المنطقة الجنوبية، والوسطى، والساحلية، والشمالية.
كما وبيّن الوزير، أن هذا المشروع يأتي في سبيل تحقيق المشروع الوطني للإصلاح الإداري، والذي يسهم في ترشيق البنية الإدارية، وتقليل المستويات الإدارية ومستويات الإشراف.
والملفت، أن مقر المؤسسة العامة للسكر هو حمص، وما تبقى من شركاتها متوقفة عن إنتاج وتصنيع السكر، ويقتصر عملها حالياً على إنتاج الخميرة وعصر بذور القطن، ولكن بكميات قليلة لا تقارن بحاجة السوق المحلي نتيجة عدم توفر المواد الأولية، ووأد زراعة الشوندر السكري، نتيجة السياسات الحكومية الهادمة التي قتلت هذا المحصول الاستراتيجي!
أما عن المؤسسة العامة للصناعات الغذائية فمقرها دمشق، وتتبع لها تسع شركات، ست منها متوقفة عن الإنتاج ومطروحة للاستثمار (كونسروة الميادين، معكرونة درعا، بيرة بردى، غراوي، وكونسروة إدلب، وشركة الشرق).
فما مدى جدوى الدمج وإنشاء المؤسسة المحدثة، ومجمل شركات المؤسسات المدمجة متوقفة عن العمل، بل وبعضها معروض للاستثمار؟
فهل الدمج سيوفر المواد الأولية لإعادة إقلاع واستثمار الشركات وتشغيلها؟
أم أنه خطوة لتحجيمها في سبيل تسهيل تسليمها للاستثمار الخاص مستقبلاً على طبق من ذهب وبأبخس العائدات بعد استكمال إنهاكها، ضماناً لزيادة الأرباح الاستثمارية الخاصة؟!
النقل إلى حماة أو التطفيش!
أما الأهم مما سبق، فهو التساؤل عن جدوى وجود المقر للمؤسسة المحدثة في مدينة حماه؟!
فهل من الطبيعي والمقبول بالنسبة للحكومة أن يتم إرسال العاملين في كلتا المؤسستين من دمشق وحمص إلى حماة، أو توزيعهم على باقي الجهات العامة؟!
فقد تم إرسال استمارات للعاملين في هذه المؤسسات تطلب منهم الموافقة على الانتقال أم لا؟!
الأمر الذي أثار الرعب والقلق في صفوف العاملين في هاتين المؤسستين على استقرارهم وحقوقهم، خاصة المقيمين في دمشق مع أسرهم!
فموضوع الانتقال، الذي اعتبرته الحكومة مفروغاً منه كنتيجة لاعتماد مدينة حماة مركزاً للشركة المحدثة بجرة قلم، ليس بالأمر السهل أبداً على العاملين، خاصة على مستوى إعادة الاستقرار في السكن والمدارس، وما يعنيه ذلك من نفقات كبيرة لا قدرة للعاملين على تحملها!
فالخيار الأنسب للعاملين في كل من دمشق وحمص هو قبول انتقالهم إلى أي جهة عامة أخرى في مدينتهم، بغض النظر عما سيتم تكليفهم به من مهام، أو الاضطرار للتقدم بالاستقالة، التي قد لا تتم الموافقة عليها، ما يعني الانقطاع عن العمل، وبالتالي اعتبارهم بحكم المستقيل، أي فقدانهم لحقوقهم!
فهل من إجحاف مقصود ومتعمد أكثر من ذلك؟!
شعارات الترشيق الإداري!
الإصلاح الإداري وترشيق البنية الإدارية تعني تقليل المستويات الإدارية والإشرافية قدر الإمكان، مع ملحقاتها بما يخص تخفيض النفقات الإدارية افتراضاً!
وعند مقارنة الوضع الحالي للمؤسسات قيد الدمج، نجد أن شركة تخاطب المؤسسة، وهي بدورها تخاطب الوزارة فيما يخص الكثير من متعلقاتها بما في ذلك موافقات العقود الاستثمارية ومستلزمات الإنتاج، التي تحتاج تصديق الوزارة، أي ثلاث حلقات إدارية متسلسلة.
أما بعد الدمج فالشركة العامة المحدثة ستكون لها أربعة فروع، ولكل فرع شركاته، وهنا فإن الشركة ستخاطب الفرع التابعة له، وهو بدوره سيخاطب الشركة العامة، والشركة ستخاطب الوزارة، أي إن أي قرار يحتاج إلى موافقة أو تصديق الوزارة سيمر بأربع حلقات إدارية متسلسلة بدلاً من ثلاث، فأين الترشيق الإداري والوفر بالنفقات من كل هذا؟!
توريث المشاكل والصعوبات المزمنة!
سترث المؤسسة المحدثة عملياً جملة من المشاكل المتراكمة لدى المؤسسات المزمع دمجها، وستتحمل بشكل مسبق كل تداعيات ونتائج اللامبالاة الحكومية تجاه شركات الإنتاج التابعة لها والمتراكبة خلال عقود، ناهيك عن التشابكات المالية المزمنة وغير المحلولة بين بعضها ومع بعض الجهات العامة!
من ناحية أخرى، نلاحظ عدم وجود سلاسل إنتاج متكاملة لدى المؤسستين المخطط دمجهما، حيث تختلف هذه المؤسسات في طبيعة إنتاجها ومهامها ومسؤولياتها المنوطة بها، وبالتالي، فهناك تباين بين سلاسل إنتاجها!
وكأن الهدف إحداث مؤسسة تتحمل خسارة المؤسستين وصعوباتها قبل إنشائها، ودفعها قسراً في طريق تكريس التوقف عن العمل وصولاً للعجز، ولتبرير التفريط بها تباعاً، كلاً وجزءاً، بما يناسب مصالح الاستثمار الخاص!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160