خطوة جديدة نحو الخصخصة والتفريط المقونن بالجهات العامة!

خطوة جديدة نحو الخصخصة والتفريط المقونن بالجهات العامة!

أقر مجلس الشعب في جلسته المنعقدة بتاريخ 24/1/2024، مشروع القانون الناظم لإحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة وأصبح قانوناً.

الملفت أن القانون الجديد لم ترافقه حملات الترويج والتسويق والبهرجة، الرسمية وغير الرسمية، المعتادة، كالتي سبق أن شهدناها عند مناقشة وإقرار قانون التشاركية، أو قانون الاستثمار بنسخه العديدة، أو غيره من القوانين الشبيهة التي تصب بمصلحة القطاع الخاص!
ومع ذلك فإن القانون الجديد ربما يكون الأسوأ من ضمن مسار التشريعات التي تعدها الحكومة تماشياً مع السياسات الليبرالية التفريطية المتبعة، فهو استكمال لقانون التشاركية، مع مرونة واسعة بما يخص الشركات المحدثة بموجبه (دمجاً وتجزئةً وارتباطاً وحلاً)!

استكمال لقانون التشاركية!

بحسب ما ورد على الموقع الحكومي فإن المشروع يتوزع على 25 مادة، وبموجبه تحدث شركة مشتركة وفق أحكام قانون الشركات، ومع مراعاة أحكام الفقرة (هـ) من المادة الـ 7 من قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، بعد موافقة مجلس الوزراء على مشاركة الدولة أو المؤسسات أو الشركات العامة أو المساهمة العمومية أو المشتركة الأخرى أو وحدات الإدارة المحلية فيها، بناء على مذكرة تبريرية تعرضها على المجلس إحدى الوزارات المعنية بمجال عمل الشركة توضح معايير وموجبات اختيار الشركاء من القطاع الخاص، ومرفقة بدراسة جدوى اقتصادية.
ويصدر النظام الأساسي للشركة المشتركة وفق ما ينص عليه قانون الشركات، ويحدد رأس مالها وطريقة تسديده ونسبة مساهمة الدولة أو الجهات العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو الشركات المساهمة العمومية في رأس مالها، وتشكيل الهيئة العامة ومهامها وصلاحياتها ونصابها وآليات اتخاذ القرارات فيها، وكذلك يحدد تشكيل مجلس الإدارة أو مجلس المديرين واختيار أعضائه ومهامهم وصلاحياتهم وإعداد خطط الشركة وموازناتها وقوائمها المالية وحساباتها الختامية.
والفقرة ه من المادة 7 من قانون الاستثمار رقم 81 لعام 2021 التي تمت الإشارة إليها أعلاه تنص على التالي: «الموافقة للجهات العامة على تأسيس شركات مشتركة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع استثمارية وفق أحكام هذا القانون وإقرار مساهمات تلك الجهات في رؤوس أموال هذه الشركات».
ما يعني أنّ القانون الجديد هو حلقة مضافة على قانون التشاركية، يتيح للشركات المشتركة الكثير من أوجه المرونة بموجبه، بالإضافة إلى الامتيازات المنصوص عنها بموجب القوانين الأخرى طبعاً!

سماحيات قانونية كثيرة ومفتوحة!

ينص القانون بحسب ما ورد على الموقع الحكومي على ما يلي: يجوز للوزارات أو لأي من الجهات العامة توقيع عقد أو برنامج مع شركة مساهمة عمومية يحدد المشاريع والأعمال والخدمات التي يجب أن تنفذها الشركة خلال أمد زمني محدد.
كما يجوز لأي من الجهات العامة التعاقد مع شركة مساهمة عمومية قابضة مباشرة أو بوساطة شركة مساهمة عمومية مملوكة لها لإدارة مرافق عامة اقتصادية.
ويجوز بقرار من مجلس الوزراء وبناء على مذكرة تبريرية من الوزارة المعنية التي ترتبط بها المؤسسة أو الشركة أو المنشأة العامة تحويل تلك المؤسسة أو الشركة أو المنشأة إلى شركة مساهمة عمومية، ولا يجوز للوزارات أو أي من جهاتها العامة أو وحدات الإدارة المحلية الدخول في أي شراكات تجارية مع أي كان على شكل شركات أشخاص.
وعند التحويل إلى شركة مساهمة عمومية تنتقل إليها ملكية جميع أصول المؤسسة أو الشركة أو المنشأة العامة ومنها الأراضي والأبنية والآلات والمعدات والبضائع والموجودات وغيرها، وتدخل في تكوين رأس مال الشركة المساهمة العمومية المحدثة التي تحل محل المؤسسة أو الشركة أو المنشأة العامة التي جرى تحويلها في جميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها.
ويعد جميع العاملين في المؤسسة أو الشركة أو المنشأة العامة التي تم تحويلها منقولين حكماً إلى الشركة المحدثة، ويخضعون لنظام العمل والعاملين الخاص بها، وتسجل الشركات المشمولة بأحكام هذا القانون في سجل الشركات وفق أحكام قانون الشركات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2011.

مروحة واسعة من الخيارات أمام القطاع الخاص!

ما ورد أعلاه يعني منح الكثير من المرونة بإحداث الشركات المشتركة بحسب القانون، فالأمر منوط بموافقة الحكومة على المبررات المساقة بمذكرة تعرض عليها من قبل الوزارة المعنية، تتضمن معايير اختيار الشركاء من القطاع الخاص، وما إلى ذلك...
فالمروحة التي شملها القانون واسعة جداً (المؤسسات والشركات العامة أو المساهمة العمومية أو المشتركة ووحدات الإدارة المحلية) وما على الشركاء المحتملين من القطاع الخاص إلا اختيار ما يناسبهم مما هو متاح من جهات عامة للاتفاق معها على الشراكة وشكلها وطبيعتها، ومن المفروغ منه طبعاً أن القطاع الخاص لن يختار من هذه الجهات إلا ما يضمن له تحقيق الأرباح الكبيرة والسهلة والسريعة، ليصار إلى إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية المطلوب إرفاقها بالمذكرة التبريرية للعرض على الحكومة!

من الإحداث إلى التجزئة والحل!

لنأتِ إلى الأهم الكارثي وفق القانون بحسب ما ورد على الموقع الحكومي: يتم دمج الشركات المساهمة العمومية أو تجزئتها أو حلها أو تغيير جهة ارتباطها بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من هيئتها العامة، ويحدد القرار الصادر بهذا الشأن كيفية تنفيذ ذلك والنتائج المترتبة عليه وفي حال حل الشركة أو تجزئتها يجب أن ينص اقتراح الهيئة العامة على كيفية تصفية الشركة مالياً والجهات التي تؤول إليها أصول الشركة، وعلى كيفية تسوية وضع العاملين فيها.
أيضاً نلحظ هنا الكثير من المرونة بشأن عمليات الدمج والتجزئة والحل وتغيير جهة الارتباط، فالأمر كذلك منوط بموافقة الحكومة على اقتراح الهيئة العامة للشركة المحدثة بموجب القانون!
فالتفريط بالجهات العامة لن يقف عند حدود الشراكة المقوننة التي تضمن الربح للقطاع الخاص فقط، بل قد يأخذ منحاه بكل سلاسة نحو استكمال هذا التفريط بإنهاء بعض هذه الجهات العامة بعد تحولها إلى شركات مشتركة بموجب القانون، وليبقى أمر تسوية وضع العاملين فيها وكأنه هو المشكلة بهذا الصدد فقط لا غير!
على ذلك فإن القانون الجديد أعلاه يمكن اعتباره عتبة جديدة في مسار الخصخصة المباشرة، وعتبة أوسع في مسار التفريط بالجهات العامة، وبدور الدولة الذي يتم تقليصه وتشويهه تباعاً!
وللحديث تتمة حكماً عند صدور القانون بشكله النهائي الرسمي!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 14:06