شتاء وكهرباء معادلة صعبة.. بل مستحيلة الحل مع استمرار سياسات الظلم!
ازداد التقنين الكهربائي في عموم سورية تزامناً مع قدوم فصل الشتاء، ليبلغ أدناه في محافظتي حمص وحماة، بمعدل وصل بين ربع إلى نصف ساعة وصل خلال 24 ساعة!
أما اللاذقية والتي لم تكن أحسن حالاً فدقائق الوصل تراوحت بين 45 دقيقة إلى ساعة فقط، وفي حلب وصلت فترة انقطاع الكهرباء إلى ثماني ساعات مقابل ساعة وصل، بالرغم من إعادة تأهيل المجموعة الأولى في المحطة الحرارية وإعادتها للخدمة مطلع الشهر الماضي بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ميغاواط، حسب التصريحات الرسمية!
أما في العاصمة دمشق فقد كان وسطي الوصل لمدة ساعتين، وأحياء أخرى مهملة ومهمشة فيها أقل من ساعة، بينما تنعم بعض الأحياء الراقية بساعات وصل طويلة!
وطبعاً كل الرصد السابق لا يشمل شريحة المستفيدين من الخطوط الذهبية والمعفية من التقنين في جميع المحافظات، فلا ساعات قطع تعاني منها هذه الشريحة!
أما اللافت هذا العام فهو غياب الوعود الرنانة حول تحسين واقع الكهرباء، فجميع التصريحات كانت تتحدث عن واقع سيسوء أكثر (ودبر راسك عزيزي المواطن)، بخلاف العام الفائت حين صرح وزير الكهرباء بعدة وعود عن تحسن الكهرباء، دون أن نشعر إلا بالمزيد من التراجع!
علماً أن آخر وعد تم إطلاقه العام الفائت كان يفيد بتحسن الكهرباء بداية العام الجديد (الحالي)، دون ملموسية في ذلك طبعاً!
على الوعد يا كمّون!
خرجت الجهات المعنية العام الماضي بالعديد من الوعود لتحسين واقع التيار الكهربائي، ضمن حيز التبريرات والذرائع، لكن الواقع أكد عجز الحكومة عن تنفيذ وعودها، حيث زادت ساعات التقنين في معظم المناطق وسط انخفاض الإنتاج من الكهرباء!
فقد أكد رئيس مجلس الوزراء خلال العام الماضي، أن: «الحكومة تتابع العمل على تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والمعيشي للمواطنين، في ضوء ما تَوفّر لها من إمكانات، مع الحرص على إقامة أفضل التوازنات الصعبة الممكنة».
وأشار عرنوس، في تصريحات نقلتها صحيفة الوطن في حينه أن «الحكومة تولي اهتماماً كبيراً بمسألة إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية لأهمية هذا القطاع ودوره المحوري على مستوى خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، حسب قوله، والنتيجة صفر!
فالواقع الكهربائي واصل الانحدار خلال العام الحالي، ولم يلمس المواطن أي تحسن يذكر!
شفافية العجز!
أما هذا العام، ومع بداية الشتاء، فقد تحدث وزير الكهرباء غسان الزامل مطولاً عن واقع التوليد الحالي في البلاد، مبيناً أنّه لو توفرت لدى الكهرباء حوامل الطاقة من الغاز الطبيعي والفيول التي تحتاجها بالكامل لكانت قادرة على إنارة البلاد لأكثر من 20 ساعة وصل يومياً!
ولفت الوزير خلال حديثه لموقع «أثر برس» أن احتياجات وزارة الكهرباء تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، ولا يصل الوزارة منها سوى 6,3 ملايين متر مكعب، مشيراً إلى أنّ الوزارة يومياً تحتاج إلى 8 آلاف طن من الفيول يومياً لكن ما تحصل عليه الوزارة أقل من ذلك”.
في السياق ذاته كشف وزير الكهرباء لصحيفة «الوطن» مؤخراً، أن: «زيادة ساعات التقنين خلال الأيام الأخيرة كان سببها نقص توريدات مادة الفيول، الأمر الذي تسبب في توقف بعض مجموعات التوليد العاملة على مادة الفيول في حين انخفضت الطاقة الإنتاجية في محطة الزارة بمعدل 50%، مؤكداً أن هذا التراجع في التغذية سينتهي مع تحسن واردات مادة الفيول»، وأضاف «في حال الوصول إلى مرحلة التشغيل الكامل لمجموعات التوليد العاملة حالياً نصل إلى برامج تقنين نحو 4,5 ساعات وصل كهرباء مقابل 1,5 ساعة قطع في مختلف المحافظات”.
وقد أرجع وزير الكهرباء سبب زيادة التقنين إلى نقص توريدات الغاز وارتفاع الطلب والاستهلاك للكهرباء نتيجة الطقس!
وتوقع الوزير عودة توريدات الغاز لوضعها الطبيعي خلال النصف الثاني من كانون الثاني القادم (أي عندما يقارب فصل الشتاء على نهايته)، لافتاً أن عامل البرودة وارتفاع معدل الاستهلاك سيبقى قائماً!
هكذا وبكل شفافية وصراحة، ودون وعود خلبية هذه المرة، هذا هو الموجود وتدبر أمورك أيها المواطن المنكوب بحياتك ومعيشتك وخدماتك!
فحديث الوزير أعلاه يبين أنه لا مشكلة في محطات التوليد وإمكاناتها، لكنه بالمقابل يُعتبر اعترافاً واضحاً ومخجلاً بالعجز الحكومي، مع الإصرار على حرمان المواطنين من الكهرباء عمداً!
فمن المسؤول إذاً عن توفير أدنى مقومات الحياة؟؟
وكيف للمواطن المفقر أن يتدبر أموره، وقد بات عاجزاً عن إنارة غرفة؟
واقع سيئ وبدائل استغلالية مكلفة!
إن ساعة وصل واحدة مقابل 8 أو 9 أو حتى 5 ساعات قطع غير كافية لشحن بطاريات الإنارة، خاصة في هذا الوقت من السنة حيث تزداد ساعات الليل ويمسي المواطن بحاجة إلى إنارة جيدة تضمن له الرؤية، وتمكن أطفاله من الدراسة!
إضافة إلى هذا الواقع المجحف بحق المواطنين الذين باتوا يعانون أيضاً من كثرة انقطاع الكهرباء في ساعة الوصل لفترات طويلة وبشكل متكرر، إضافة إلى عدم انتظام ساعات التغذية في الكثير من المناطق!
فكل يوم يختلف عن سابقه، حيث لا تستطيع الأسرة استكمال غسل ثيابها أو تسخين مياه للاستحمام، وكل ذلك وسط إهمال حكومي وعجز متعمد!
والأسوأ هو استمرار وتزايد معدلات الاستغلال بنتيجة هذا التدهور الكهربائي من خلال البدائل المفروضة على المواطنين، والقطاعات الاقتصادية والإنتاجية على السواء، من قبل مستوردي هذه البدائل المتحكمين بمواصفاتها وأسعارها، اعتباراً من البطاريات والليدات بمواصفاتها المتدنية وأسعارها المرتفعة، مروراً بالاستثمار بالأمبيرات وتكلفتها العالية، وصولاً إلى الطاقة الشمسة ومتطلباتها غير مضمونة الجودة مع سعرها المرتفع، وليس انتهاء ببطاريات الليثيوم المليونية مع ملحقاتها!
مشكلات وتداعيات سلبية كثيرة وكبيرة!
إن طول ساعات التقنين وضعف الكهرباء في ساعات الوصل تسبب مشكلاتٍ عديدة طالت جوانب حياتية مختلفة!
فهناك العديد من الخدمات ترتبط بالكهرباء مباشرة، مثل الاتصالات التي تغيب مع انقطاع الكهرباء، إضافة إلى تعطيل عمل بعض المؤسسات الحكومية بوقت التقنين، لكن الأخطر هو الحرمان من المياه بسبب عدم القدرة على ضخها، لعدم وجود الكهرباء لتشغل المضخات المنزلية، وخصوصاً في الأبنية ذات الطوابق المرتفعة، والذي سبب بدوره أزمة مياه، فبات المواطن يُسحق تحت رحى الكهرباء والماء!
فقد صرح مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها عصام الطباع، في 28 تشرين الثاني الحالي، عن وجود 1350 بئراً عاملة في دمشق وريفها، تعمل على 68 خطًا معفىً من التقنين في ريف دمشق، وكشف الطباع عن وجود أعطال في أكثر من 400 مضخة في هذه الآبار، سببها الرئيس هو ضعف جودة التيار الكهربائي، بالرغم من تركيب الحمايات التي أصابتها أعطال أيضاً!
وبالنسبة للقطاع الاقتصادي، فقد اشتكى عدد من أعضاء غرفة تجارة دمشق من أن ساعات التقنين أحدثت خللاً في الحركة التجارية لجهة الواردات والمبيعات، كما أثرت في حركة الأسواق لجهة ارتفاع كلف ومصاريف الباعة لتأمين الطاقة من مصادر بديلة على التوازي مع تفضيل بعض أصحاب المحال والورشات الإغلاق باكراً.
أما عن الصناعة والزراعة فحدث بلا حرج عن التداعيات السلبية الكارثية نتيجة عدم توفر حوامل الطاقة عموماً، سواء كانت كهرباء أو مشتقات نفطية، ليس على مستوى التكاليف وزيادتها، بل وصولاً إلى توقف الكثير من المنشآت عن العمل بشكل جزئي أو كلي، مع ما يعنيه ذلك من آثار سلبية مباشرة على الإنتاج والعمالة وسلاسل التوريد والتسويق والبيع، وصولاً إلى الاستهلاك وأسواق التصدير، أي مئات الآلاف من الأسر المتضررة بالنتيجة، بالإضافة إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني عموماً!
سقوط الذرائع!
من الواضح أن الحكومة غير جاهزة لتأمين كميات الكهرباء في حدودها الدنيا للمواطنين، أو أنها لا تريد ذلك مع سبق الإصرار!
فما يثير الاستفهام حقاً هو أنه وبعد كل التصريحات عن إدخال عنفات جديدة واستثمارات طاقة بديلة في قطاع الكهرباء، وحتى بعض عقود التشاركية المبهمة التي وضعت هذا القطاع الحيوي تحت إشراف شركات خاصة مجهولة، وربما ضمن أملاكها من يدري مستقبلاً، وبالرغم من الإعلان عن الاكتشافات الغازية الجديدة أو المعاد تأهيلها ووضعها بالخدمة، فكل هذا لم ينعكس على واقع المواطن ولم يحسن شيئاً، بل ظهرت الآن ذرائع جديدة تمثلت بنقص التوريدات النفطية!
ذرائع تسقط في أذهان المواطن بعد سماعه الإعلان الرسمي عن زيادة بيع كميات البنزين أوكتان 95، ليسأل نفسه: أين نقص التوريدات كذريعة إذاً؟؟
فكيف يتم التمكن من توريد الأوكتان 95 بعيداً عن ذرائع العقوبات والحصار، ولا يتم التمكن من توريد المازوت أو الفيول أو الغاز لتشغيل محطات توليد الكهرباء؟!
وقف حال البلاد والعباد!
إن حديث وزير الكهرباء أعلاه عن جاهزية محطات التوليد، وصولاً إلى إمكانية التزود الكهربائي بواقع 20 ساعة وصل يومياً، مقابل ذريعة عدم توفر المشتقات النفطية الساقطة كما يتضح بدليل واقع البنزين أوكتان 95 كمثال أعلاه، بالإضافة إلى ما توفره السوق السوداء من مشتقات نفطية بمختلف أنواعها وبالكميات المطلوبة وفقاً لسعرها الاستغلالي، يبين بوضوح أن حرمان المواطنين والقطاعات الاقتصادية في البلاد من الكهرباء، وصولاً إلى زيادة ساعات التقنين بشكل مجحف، هو سياسة رسمية ظالمة متخذة، مستمرة ولا رجعة فيها، وذلك بغاية:
تخفيض الدعم على هذا القطاع وصولاً إلى إنهائه.
التشجيع على البدائل التي تحقق الأرباح لمستورديها.
الترويج للاستثمار بالأمبيرات وتوسيعها مع مرابحها، بالرغم من تراجع الاستثمار فيها مؤخراً بشكل نسبي بسبب ارتفاع تكاليفها على الشريحة المستهدفة منها بالنسبة للمواطنين، وبالنسبة للفعاليات التجارية والخدمية أيضاً.
فرض المزيد من الخصخصة بهذا القطاع الحيوي والهام، وبما يحقق المزيد من الأرباح لمصلحة البعض المحظي تحت شعارات التشاركية وغيرها.
والأهم من كل ما سبق، غاية خلق المزيد من التعقيدات والصعوبات والأزمات، ولو وصل ذلك إلى حدود وقف حال البلاد والعباد!
ولعله بات من المفروغ منه أن السياسات القائمة على الأزمات، مع شريحة كبار أصحاب الأرباح والفاسدين والنافذين المستفيدين منها، لن تنتج إلا المزيد من الأزمات، ولا خلاص من أزماتنا الكارثية المزمنة إلا بالخلاص من هذه السياسات وشريحة المستفيدين منها والمستقوين بها!
الأسوأ استمرار وتزايد معدلات الاستغلال نتيجة التدهور الكهربائي من خلال البدائل المفروضة على المواطنين من قبل مستوردي هذه البدائل المتحكمين بمواصفاتها وأسعارها!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1151