اللجوء للتكليف بالوكالة.. مشكلة مزمنة لم يتم حلها!
منذ بداية العام الدراسي الحالي والمدارس في غالبية المحافظات تعاني من نقص حاد بالكادر التدريسي من الأصلاء، مما دفع وزارة التربية ومديرياتها في المحافظات كالعادة للجوء للتكليف بغية ترميم بعض النقص!
وكالعادة أيضاً، لم يتم لحظ أية مساعٍ لتلافي التشوه الذي تسببه هذه الخطوة على المنظومة التعليمة، سواء على مستوى الواقع المزري للمدرس، الأصيل والوكيل، أو على مستوى الطلاب وجودة العملية التعليمية!
من هو المدرّس الوكيل؟
ثمة ثلاث حالات للمدرّس الوكيل، الأولى تتمثل بالمدرّس الذي تخرّج من كلية التربية، لكنّه لم يتمكّن من الحصول على شاغر للتعيين بشكلٍ ثابت في المدارس الحكومية، فلجأ إلى التدريس عبر «عقود وكالة»، وتنحصر مهمّته بالتدريس في مدرسة محدّدة من قبل وزارة التربية لمدّة ثلاثة أشهر، وبعدد ساعات مسقوفة لا تزيد عن ٢٧ ساعة أسبوعياً، وبأجر زهيد يحسب تبعاً لعدد الساعات، طبعاً دون تأمين أو أية تعويضات إضافية، وفوق ذلك يتقاضى استحقاقاته بعد مضي ثلاثة أشهر بالحد الدنى!
أما الحالة الثانية فتنطبق على خريجي الجامعات والمعاهد من اختصاصات مختلفة، كالتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفيزياء والفنون الجميلة والرياضة و..، الذين يلجؤون إلى العمل التدريسي بالتكليف بشكلٍ مؤقّت عبر نظام الوكالة، بالشروط السابقة ذاتها بما يخص سقف الساعات الأسبوعية والأجر الزهيد!
والحالة الثالثة هم الطلاب الجامعيون غير الخريجين وحملة الشهادة الثانوية العامة، وتنطبق عليهم نفس المبررات وظروف الإجحاف أعلاه، وأحياناً بشكل أقسى وأشد!
واقع عمل شاق وبأجور مجحفة!
اليوم، وبسبب نقص الكادر التدريسي الحاد، يعمل هؤلاء الوكلاء بنصاب أسبوعي كامل في المدارس التي يعملون بها، أي ما بين ٢٠ لـ٢٧ ساعة أسبوعياً، وهو ما يعادل سقف ١٠٨ ساعات شهرياً، ضمن ظروف عمل صعبة، وبرواتب هزيلة جداً!
فحسب المرسوم 8 لعام 2021 تم تحديد أجر ساعة التكليف في مدارس التعليم الأساسي والمدارس الثانوية، وفي جميع مدارس ومراكز التدريب المهني لدى جميع الجهات العامة في الدولة، سواء أكان من داخل الملاك أم من خارجه، أجراً عن حصة التدريس النظرية أو العملية ووفقا للشهادة العلمية التي يحملها المكلف كالآتي، حملة شهادة الإجازة الاختصاصية في التدريس: 600 ليرة سورية- حملة شهادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس: 520 ليرة سورية- حملة شهادة أحد المعاهد التقانية: 440 ليرة سورية- الذين لا يحملون الشهادات السابقة: 360 ليرة سورية.
أي إن سقف الأجر الشهري للمدرس الوكيل، مع سقف ساعات التكليف (108 ساعات شهرياً)، وبحال كان من حملة شهادة الإجازة الاختصاصية في التدريس، لا يتجاوز 65 ألف ليرة فقط، وهو خاضع للضريبة أيضاً، ويصرف بعد ثلاثة أشهر بالحد الأدنى!
لا شك أن هذا الأجر يعتبر هزيلاً جداً، بل ومجحفاً بكل المقاييس، فهو لا يغطي التكاليف الشخصية على المواصلات الشهرية!
التأخر في صرف المستحقات عامل نبذ إضافي!
بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 1/10/2023، فقد امتنع عدد كبير من المعلمين المكلّفين من خارج ملاك وزارة التربية عن التعليم هذا العام بمدارس ريف دمشق، لعدم تقاضيهم أجورهم في العام الفائت، تزامناً مع النقص الشديد في الكادر التدريسي.
ونقل عن مدير تربية ريف دمشق ماهر فرج، أن عدم توفر الاعتماد المالي اللازم هو السبب في تأخر تقاضي أجر المدرسين المكلفين مستحقاتهم من خارج الملاك، مؤكداً أنه تم طلب زيادة الاعتماد من وزارة التربية وفق الأصول، موضحاً :أنه ونظراً لزيادة قيمة التعويضات الامتحانية، والتي تصرف وفقاً للبند 16 باب التعويضات، الذي يشمل أجور المعلمين الوكلاء والمكلفين من خارج الملاك وتعويضات الامتحانات كافة، تم صرف جميع المنح المالية للعام 2022 لكل المعلمين المكلّفين بموجب الوكالة، ما تسبب بنفاذ الاعتماد المالي المخصص لصرف نفقات المكلّفين من خارج الملاك!
وكذلك بين مدير تربية ريف دمشق، بالنسبة لعزوف المدرسين عن التكليف من خارج الملاك بموجب ساعات اختصاص، ونقص الأطر التدريسية في بعض المدارس أن «معظم النقص الحاصل في القرى والبلدات البعيدة غير المخدّمة بخطوط للنقل، مما يتطلب أعباء إضافية على المعلّمين والمدرسين المكلّفين في تلك المناطق، مشيراً إلى أنه يتم التعاون مع لجان أصدقاء المدرسة وفعاليات المجتمع المحلي لتأمين وسائل نقل لتلك القرى والبلدات لتنقل المعلمين بشكل يومي، مما يساهم في تغطية تلك الشواغر».
فهل ما سبق هي مبررات مقنعة لامتناع الوزارة عن دفع المستحقات الشحيحة للوكلاء؟
أم هو اعتراف واضح بالعجز أمام الترهل المستشري في بينة المنظومة ككل؟
فواقع الأجور الهزيلة يعتبر عاملاً طارداً ونابذاً للعمل في قطاع التعليم الحكومي، سواء بالنسبة للأصلاء أو الوكلاء، وفوق ذلك يتم التأخر في صرف الاستحقاقات كعامل نبذ إضافي!
الدروس الخصوصية كابوس لتكريس ترهل المنظومة والفرز الطبقي فيها؟!
هذا الواقع المجحف لمدرسي التوكيل فرض عليهم، كما على غيرهم من المدرسين الأصلاء سلفاً، اللجوء للدروس الخصوصية، وذلك للتعويض عن هزالة الأجور!
فقد باتت النوايا المسبقة لاستقطاب الطلاب، كأفراد أو كمجموعات، إلى الدروس الخصوصية أمراً مفروغاً منه، والاستثناء في ذلك يثبت القاعدة، ولا ينفيها بكل أسف، وذلك على حساب ذوي الطلاب، وعلى حساب حسن الأداء في المدارس، مما انعكس سلباً على جودة العملية التعليمية ككل، بل وعلى غاياتها ومخرجاتها المستهدفة!
فالدروس الخصوصية تحولت تدريجياً من استثناء إلى ضرورة معممة تستنزف مدخرات الأهالي، وتعمق حال الترهل والتردي والتراجع في المنظومة التعليمية بكافة مراحلها!
فالمدارس الحكومية التي من المفترض أنها الملاذ وصمام الأمان للمفقرين بشكل خاص، فقدت دورها ومهامها وواجباتها تباعاً على مستوى العملية التعليمية، لتحل محلها المدارس والمعاهد الخاصة والدروس الخصوصية، مع تكريس الفرز الطبقي بشكل مجحف في ذلك طبعاً، وكل ذلك على مرأى ومسمع ودراية وزارة التربية والحكومة، التي تراقب التحولات السلبية الجارية على واقع المعلمين والطلاب، وعلى تراجع جودة الأداء وتدهور سير العملية التعليمية!
ويبدو أنه لا حلول لجملة المشاكل التي تعاني منها منظومة التعليم، طالما بقيت السياسات التعليمية بمدخلاتها ومخرجاتها على حالها، والأهم السياسات الحكومية الظالمة، وخاصة بما يتعلق بتخفيض الإنفاق العام وهزالة الأجور والخصخصة المباشرة، وغير المباشرة في قطاع التعليم وبكافة مراحله!
التضخم وأجر ساعة التكليف!
عندما تم تعديل أجر ساعة التكليف في عام 2021 وفق السياق أعلاه، اعتبر ذلك إنصافاً للمعلمين الوكلاء في حينه، لكن عوامل التضخم وانخفاض القيمة الشرائية لليرة مقابل الارتفاعات السعرية من وقتها، وحتى الآن جعلها أكثر هزالة!
فعلى سبيل المثال، وبمقارنة بسيطة بين عامي 2021 وعامنا الحالي: نجد أن نسبة الزيادة في سعر صرف الدولار الرسمي كانت 360%، ففي عام 2021 كان سعر الصرف الرسمي للدولار بحدود 2500 ليرة، أي إن سقف الأجر الشهري أعلاه كان يعادل 26 دولار تقريباً، لكل الآن وبعد أن وصل سعر صرف الدولار رسمياً إلى 11500 ليرة، فإن سقف الأجر الشهري للمكلف أصبح بحدود 5,5 دولار!
وبحال توفر النية لإنصاف المعلمين الوكلاء، فإن أجر الساعة يجب أن يتم تعديله بحيث يصبح 2670 ليرة بالحد الأدنى لحملة شهادة الإجازة الاختصاصية في التدريس، وبنفس النسبة يجب تعديل أجر ساعات بقية الفئات، ومع ذلك فإن أجر الساعة أعلاه وبسقف 108 ساعة شهرياً، يعني أجراً شهرياً 288 ألف ليرة فقط، أي سيبقى هزيلاً وعاجزاً عن تغطية الضرورات الشخصية للمعلم الوكيل!
ومع ذلك فإن وزارة التربية والحكومة تصم آذانها عن معاناة المعلمين، الأصلاء والوكلاء، وعن ظروف عملهم الصعبة وأجورهم الهزيلة وحقوقهم المهدورة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1143