بدل السكن الجامعي لم يعد رمزياً ولا ضمانة لتحسين خدماته!
يتوافد آلاف الطلبة الجامعيين من المحافظات والضواحي للتسجيل في السكن الجامعي، كصورة تتكرر قبل بداية كل عام دراسي!
فرغم كل الشروط السيئة والخدمات المتردية ما زالت تعتبر المدينة الجامعية ملاذاً للعديد من الطلاب، خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع بدلات إيجارات المنازل، ما يجعل السبيل الوحيد لمتابعة المسيرة العلمية هو الظفر بشرف الحصول على سرير في غرفة تقاس مساحتها بالأمتار، وبكمية الأنفاس التي يتقاسمها عدد كبير من القاطنين فيها!
رسوم مرتفعة وآلية تسجيل جديدة!
ارتفعت رسوم السكن الجامعي لـ 88 ألف ليرة للعام الدراسي 2023-2024، أي بما يعادل زيادة بنسبة 300% عن رسوم العام الماضي!
وحسب التصريحات الصحفية لمدير المدينة الجامعية عباس صندوق «هذه الرسوم ستعود بالفائدة على الخدمات المقدمة ضمن المدينة”.
فهل سنشهد تحسناً بواقع السكن الخدمي؟
أم إن طلابنا سيعانون من أعباء مادية إضافية من أجل الخدمات، ستجد طريقها لجيوب الناهبين كغيرها من الأعباء الكثيرة؟
أما عن آلية التسجيل الجديدة فقد تم إطلاق منصة السكن الرقمية المتخصصة في أتمتة عملية تسجيل الطلاب في المدن الجامعية للمحافظات التالية (دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية).
وقد اكتفى الاتحاد الوطني لطلبة سورية بنشر فيديو حول خطوات التسجيل، دون الإجابة عن تساؤلات الطلبة العديدة حول الآلية المعتمدة، وكيفية استخدام التطبيق والمشكلات به، إضافة إلى التأخير بالحصول على نتيجة الطلب المقدم!
الواقع الخدمي
يعاني كل طلبة السكن الجامعي، في دمشق وغيرها من المحافظات على حد سواء، من منظومة خدمات متردية، فلا المياه ساخنة، ولا الحمامات نظيفة، وعقود الإصلاح والصيانة التي يتم الحديث عنها كل عام لا تنفذ غالباً!
فالنظافة سيئة للغاية، والقمامة والأوساخ تزين الأماكن والزوايا في المدن الجامعية، والصنابير معطلة، والتيار الكهربائي يذهب ولا يعود!
معاناة تتفاقم كل عام وسط إهمال متعمد ووعود خلبية زائفة تتحدث عن تحسين الخدمات!
أضف إلى كل ذلك معضلة الازدحام، فالغرفة يتراوح قاطنوها بين خمسة وأحياناً تصل إلى عشرة طلاب، بواقع حال متردٍّ جداً!
فكيف لهذا الطالب المفقر تحمل ظروف السكن السيئة تلك، مع تحمل الأعباء المالية الكبيرة، وبنفس الوقت الاستمرار بالعلم والتحصيل العلمي؟!
الوساطة مفتاح الحصول على السكن الجامعي!
خلال السنوات الماضية كانت تنتشر المحسوبيات والرشاوى بشكل كبير بين صفوف الطلاب أثناء التسجيل في المدينة الجامعية من أجل الحصول على السكن، وذلك لصالح بعض النافذين والفاسدين، حيث يعمد العديد من المستغلين على الاتفاق مع المسؤولين في منح وصل للسكن، لبيع ذلك الوصل بأسعار كبيرة لأشخاص غير قادرين على تحمل تكاليف بدلات الإيجار المرتفعة، أضف إلى ذلك وجود غرف في الوحدات السكنية لا يقطنها إلا طالب أو اثنان من أصحاب المحسوبيات!
فهل ستكون المنصة الرقمية المعلن عنها هذا العام للتسجيل من خلالها أقل سوءاً بنتائجها على مستوى المحسوبيات، أم ستكون آليات الفساد قادرة على تجاوز الذكاء؟
ننتظر لنرى النتائج الملموسة قريباً!
بوابات الفساد الأخرى!
تقوم إدارة السكن الجامعي سنوياً بإجراء مناقصة على المحلات التجارية المنتشرة داخل حرم السكن الجامعي، ورغم أن المناقصة سنوية إلا أن مستثمري هذه المتاجر والمحال والأكشاك لم يتغيروا منذ سنوات، وذلك بحسب بعض الطلاب القدامى!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخدمات التي تقدمها هذه المحال والأكشاك يدفع ثمنها الطالب المجبر على شراء مستلزماته اليومية منها، من طعام وشراب وقرطاسية وغيرها، وبأسعار أعلى بنسبة 30% تقريباً من سعرها الحقيقي في الأسواق استغلالاً واضحاً، وفي ظل وغياب شبه تام للرقابة على هذه المحال والأكشاك!
فعقلية النهب والفساد المهيمنة يتنافس فيها المستغلون على تقديم الخدمات الأسوأ للطالب المجبر على التأقلم معها وتحمل رداءة الوضع، أو التخلي عن الدراسة والعزوف عن التحصيل العلمي!
القانون 29 لعام 2022 بوابة مفتوحة لزيادة الرسوم!
حوّل القانون 29 لعام 2022 المدن الجامعية إلى هيئات عامة ذات طابع إداري مستقلة مالياً وإدارياً، وذلك بهدف «منح إدارات المدن الجامعية صلاحيات مالية وإدارية كافية تمكنها من توفير سكن نظيف وآمن ومريح بكفاءة وفاعلية للطلاب، وتساعدها في إنجاز الأعمال المطلوبة من خدمات وصيانة وإعادة تأهيل، إضافة إلى بناء وحدات جديدة وإدارة المرافق والمنشآت الملحقة بالمدن واستثمار بعضها»!
وكذلك نص القانون على أن موارد المدن الجامعية ذاتية ودون أي اعتمادات مرصدة من الخزينة العامة للدولة، وتتمثل هذه الموارد بشكل رئيسي بالرسوم السنوية للسكن والإقامة فيها (والتي ستقتطع نسبة 50% منها لصالح الخزينة العامة)، وبدلات استثمار المطاعم والمقاصف والمنتديات والأكشاك والمباني والأراضي والملاعب والمنشآت فيها، بالإضافة إلى المنح والإعانات وفق الأنظمة النافذة، والإعانة السنوية التي تخصص بها من مجلس التعليم العالي!
وكذلك منح القانون كامل الصلاحية لمجلس الإدارة بما يخص تعليمات قبول الطلاب وتحديد بدلات خدمة السكن والإقامة وجبايتها!
وقد سبق لقاسيون أن أفردت مادة بعنوان «القانون رقم (29).. استقلالية في الجباية وقيود في الصرف.. والمتضرر الطالب المفقر» وذلك بتاريخ 11/7/2022، ومما ورد فيها: «في ظل محدودية الموارد الذاتية، مع عدم وجود اعتمادات مخصصة من الموازنة العامة للدولة، فإن المآلات المتوقعة بحسب الصلاحيات أعلاه ستركز جلّ عمل مجلس الإدارة والمدير العام نحو زيادة الإيرادات، والمتمثلة أساساً بالرسوم السنوية المجباة من الطلاب، وبدلات الاستثمار وتوسيعها، وذلك لتأمين الموارد لعمليات الصيانة وإعادة التأهيل للوحدات السكنية الموجودة فقط!».
على ذلك فإن نسبة الزيادة في الرسوم 300% عن العام الماضي تعتبر مقدمة لما يمكن أن يؤول إليه الحال خلال السنوات القادمة من زيادات على الرسوم غير مسقوفة!
فالقانون بوابته مشرعة ومفتوحة بهذا الإطار، دون أي اعتبارات لواقع الطلاب وظروفهم وضروراتهم!
هل ما زال الرسم رمزياً!
الرسم السنوي الذي تم تحديده بواقع 88 ألف ليرة، لسرير بغرفة مشتركة، مع 5 أسرّة إضافية بالحد الأدنى، يعني أن أجرة الغرفة الواحدة يصل بالحد الأدنى إلى مبلغ 528 ألف ليرة سنوياً، بل لمدة 8 أشهر عملياً، أي بحدود 11 ألف ليرة شهرياً تقريباً، وهو ربما يبدو ضئيلاً، لكنه لم يعد رمزياً كما يفترض، فقد أصبح مقارباً لأسعار بدلات الإيجار للغرف في البيوت السكنية في الكثير من المحافظات، مع فارق الازدحام على الخدمات وجودتها طبعاً!
فأجر بيت مؤلف من 3 غرف ومنافعها في منطقة جرمانا على سبيل المثال يبلغ 400 ألف ليرة شهرياً تقريباً، ما يعني أن أجر الغرفة الشهري يبلغ 133 ألف ليرة، وبحال كان القاطنون فيها 6 طلاب كحال السكن الجامعي، فإن ذلك يعني أن التكاليف على كل منهم بحدود 22 ألف ليرة شهرياً.
وربما المشجع الوحيد للسكن الجامعي هو قربه من الجامعات والكليات، ما يوفر أجور المواصلات على الطلاب، لكن ذلك يسقط مقابل الخدمات المتردية التي يدفع ضريبتها الطالب على حسابه!
فأين أصبح الرسم الرمزي، وأين السكن النظيف والآمن والمريح بكفاءة وفاعلية للطلاب؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1142