إعادة الإعمار والتعويل على المعارض والمؤتمرات بمعزل عن الحل السياسي!
انتهت فعاليات معرض إعادة إعمار سورية «عمرها 2023» بدورته الثامنة بتاريخ 1/10/2023، والتي كانت قد انطلقت بتاريخ 28/9/2023 مستمرة لمدة 4 أيام، وذلك في مدينة المعارض الجديدة بدمشق.
وقد أقيم على هامش المعرض مؤتمر حمل عنوان “تحديات إعادة الإعمار والتعافي في سورية” وذلك في جناح المحاضرات في مدينة المعارض.
فما الذي قدمته فعاليات الدورات الثمانية للمعرض، وما أقيم على هوامشها من مؤتمرات ومحاضرات، حتى الآن بما يخص إعادة إعمار سورية؟
وهل المعارض والمؤتمرات والمحاضرات والندوات كفيلة أو كافية لجذب الاستثمارات، ولحمل مسؤولية ومهام إعادة إعمار سورية وتعافيها؟
عناوين كبيرة ومشاركات محدودة!
أقيم المعرض هذا العام برعاية وزارة الأشغال العامة والإسكان، بدعم اتحاد غرف الصناعة والتجارة، وبتنظيم مؤسسة الباشق للمعارض، مع تغطية إعلامية من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية.
ويتيح المعرض، بحسب الإعلانات عنه، الفرصة للشركات لاستعراض منتجاتها المختلفة، في مجال البناء والتشييد والعمران، وخلق المنافسة والتشبيك بينها للتشجيع على الاستثمار والمشاركة بإعادة الإعمار في سورية.
وبحسب مدير مؤسسة الباشق للمعارض يهدف المعرض إلى «توجيه رأس المال نحو الاستثمارات التي تحتاجها البلاد في مرحلة ما بعد الزلزال وتداعيات الحرب والتعافي المبكر من الإرهاب العابر للحدود».
وقد أوضح مدير التخطيط والتعاون الدولي في الشركة العامة للبناء والتعمير أن «الشركة تستعرض في جناحها أهم المشاريع التي تنفذها والتي تشمل السكن الشبابي والادخار إضافةً إلى السكن الخاص بمتضرري الزلزال وغيرها من المشاريع الأخرى».
وبحسب تلفزيون الخبر، المشارك بتغطية فعاليات المعرض الإعلامية، فقد كان «عدد الشركات المشاركة في المعرض 183 شركة، تمثل 14 دولة عربية وأجنبية».
بالمقابل فقد ورد على صفحة المعرض بتاريخ 28/9/2023 ما يلي، «افتتح اليوم معرض إعادة إعمار سورية بدورته الثامنة في مدينة المعارض الدولية بدمشق، بمشاركة ما يزيد عن 180 جهة وشركة من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى شركات دولية من 14 بلداً منها بيلاروسيا وبولونيا وإيران وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة».
على ذلك يتبين أن عدد الشركات المحلية (العامة والخاصة) المشاركة في المعرض طاغٍ وأكبر بكثير من عدد الشركات الأجنبية المشاركة فيه، مع مساعٍ إعلامية واضحة ومفضوحة لتضخيم المشاركات الأجنبية!
بمطلق الأحوال فإن فعاليات المعرض في دورته الثامنة لهذا العام لم تختلف عن فعاليات الدورات الماضية بنتائجها المحدودة التي لم تتجاوز حدود التعارف والتعريف بالشركات المشاركة!
فلا استثمارات تم الإعلان عنها بنتيجة فعاليات هذه المعارض، ولا مؤشرات ملموسة تصب بخانة عنوان «تعافي سورية» بناء عليها!
استمرار التعمية عن الحل السياسي وتغييبه!
لا غرابة بانتهاء فعاليات معرض هذا العام بدون نتائج، كحال كل المعارض بدوراتها السابقة، بل وكل المؤتمرات الاستثمارية التي عقدت خلال السنوات الماضية، بعناوينها ومسمياتها المختلفة!
فجذب الاستثمارات والمستثمرين لتوظيف رؤوس الأموال بإعادة الإعمار لا يقتصر على معارض التعريف والتعارف بالشركات (المحلية والأجنبية) المتخصصة بهذا المجال، ولا على الندوات التي تشرح مزايا القوانين والتشريعات المشجعة للاستثمار والمستثمرين، مع ما تحمله من إعفاءات مبوّبة بمتنها كامتيازات لمصلحة أصحاب الأرباح، بما في ذلك ما هو بالضد من المصلحة الوطنية في بعض تبويباتها المشرعنة!
لنعيد ونؤكد بأن جذب الاستثمارات والمستثمرين ورؤوس الأموال هو رهن بعوامل الاستقرار والأمان وضماناتها ذات الطابع السياسي العام بدايةً، لتأتي بعدها الضمانات ذات الطابع المالي والضريبي والنقدي وغيرها، وأخيراً الامتيازات والإعفاءات والمزايا مما تتيحه القوانين والتشريعات!
فالظروف السياسية الراهنة في سورية ما زالت نابذة للاستثمارات والمستثمرين ولن تكون جاذبة لها، بل وطاردة حتى لما هو موجود منها، وهو ما جرى ويجري حتى الآن، والمشكلة في ذلك حلها سياسي بامتياز، كحال كل المشكلات والأزمات المستعصية والعصية على الحل، اعتباراً من أزمة المشتقات النفطية، مروراً بأزمة الإنتاج (الزراعي والصناعي- العام والخاص) وصعوباته ومعيقاته، وليس انتهاء بالأزمة الوطنية الشاملة ونتائجها الكارثية المستمرة على البلاد والعباد!
وبكل اختصار نقول، إن التعمية المستمرة للحل السياسي وفقاً للقرار 2254 وتغييبه لن تجدي نفعاً، وبالتالي لا إعادة إعمار ولا تعافي ولا من يحزنون إلا من خلاله كبوابة وحيدة متاحة للخروج من الأزمة الوطنية الشاملة، وكل الأزمات والكوارث المرافقة لها والناتجة عنها، وذلك من خلال التغيير الجذري والعميق الشامل الذي يحقق مصلحة السوريين ومصلحة سورية وسيادتها أرضاً وشعباً!
حتى الأجور الهزيلة عامل نبذ وليست عامل جذب للاستثمارات!
بالحديث عن عوامل الجذب والنبذ للاستثمارات والمستثمرين، وبغض النظر عن الحل السياسي كمدخل وحيد لحل الأزمات يتم تغييبه، تظهر قضية الأجور بواقعها الهزيل، وفقاً للسياسات الأجرية الظالمة والمجحفة المطبقة، وكأنها عامل جذب، بحيث يتم تسويق قوة العمل السورية كفرصة كبيرة للتربح، قد تستقطب المستثمرين باعتبارها بخسة الثمن!
بالمقابل فإن عنوان إعادة الإعمار العريض كمستقطب للاستثمارات ورؤوس الأموال يشمل فيما يشمل قطاع البنية التحتية وقطاع الإنتاج الزراعي والصناعي والقطاع الخدمي، وغيرها من القطاعات، بالإضافة إلى القطاع العقاري السكني.
لكن مع واقع الأجور الهزيلة، وفي ظل استمرار سياسات تخفيض الدعم وبقية سياسات الإفقار المعمم، فإن الاستثمارات بهذه القطاعات لن تكون رابحة بالنسبة للمستثمرين طالما لا يوجد هناك مستهلكين ومستفيدين منها!
فمعدلات الاستهلاك العام بانخفاض مستمر، بالتوازي مع الاستمرار بالسياسات الأجرية المجحفة والظالمة، ومتوالية الارتفاعات السعرية المستمرة!
فكيف لصاحب الأجر الهزيل مثلاً أن يزيد من معدلات استهلاكه من السلع والمواد، أو أن يرفع من معدلات استفادته من الخدمات المختلفة؟
وهل باستطاعة صاحب الأجر الهزيل أن يمتلك شقة سكنية من مشاريع إعادة الإعمار المفترضة بالقطاع العقاري، وبما يحقق الأرباح للمستثمرين بهذا القطاع؟
لتظهر المعادلة أعلاه مستحيلة الحل أيضاً في ظل الاستمرار بنفس السياسات الظالمة والنهج التدميري المعمول به، لنصل إلى نتيجة مفادها اختصاراً أن الحل السياسي والتغيير الجذري والعميق والشامل وحده الكفيل بإعادة الاعتبار لقوة العمل وأجرها العادل والكافي، بحيث تستعيد معها إمكانية زيادة معدلات استهلاكها وتأمين متطلبات حياتها، بما في ذلك حق السكن الذي ابتلعته السياسات الليبرالية الظالمة والتمييزية خلال العقود والسنين الماضية، مع غيره من الحقوق المستلبة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1142