مكافحة الفساد الخلبية
هل تعلم عزيزي المواطن، أن هناك ما تسمى «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد»، وبأن الحكومة تتابع خطواتها المنجزة تباعاً؟!
لا تستغرب، فخلال جلسة الحكومة بتاريخ 16/8/2022 «اطلع مجلس الوزراء من وزير العدل على الخطوات المنجزة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وأكد أهمية المتابعة في محاربة الفساد بكل أشكاله، وعلى جميع المستويات».
فما هي تلك الخطوات المنجزة يا ترى؟!
لا أحد يعلم، فلم يتم الإعلان عنها رسمياً، وكأنها حرز من أسرار الدولة!
أرشيف
للتأريخ، فقد تم إقرار «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» من قبل الحكومة بتاريخ 2/6/2019.
وقد ورد على الموقع الحكومي بذلك التاريخ ما يلي: « أقر مجلس الوزراء «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» وفق مستويات تشخيص الحالة الراهنة، ووضع التدخلات المناسبة لمكافحة مظاهر الفساد، وفق برمجة مادية وزمنية محددة، تتضمن الاستفادة من البنيان القائم لمؤسسات الدولة المعنية بشكل مباشر بهذا الملف، كما تتضمن الوثيقة دور الشركاء المعنين من المجتمع الأهلي والقطاع الخاص لضمان مشاركة كافة أطياف المجتمع في محاصرة هذه الظاهرة، وتعزيز سيادة دولة القانون والاستفادة من تجارب الدول في مكافحة الفساد على اعتباره ظاهرة موجودة في جميع الدول».
وبحسب صفحة الحكومة بنفس التاريخ: «تنضوي الوثيقة على تعزيز جهود المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، وتقديم كامل الدعم التنظيمي والإداري والتشريعي والمالي لهذه المؤسسات لتقوم بدورها على النحو الأمثل».
وربما لا داعي للحديث بأنه ومنذ تاريخه أعلاه، أي منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن اتسعت وتعمقت ظاهرة الفساد بشكل أكبر مما كانت عليه بأشواط، بل أصبحت أكثر فجاجة ووقاحة!
تقييد دور المؤسسات المعنية!
تعتبر الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش إحدى المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد افتراضاً، وبموجب القانون هي هيئة رقابية مستقلة، ترتبط برئيس مجلس الوزراء من الناحية الإدارية، وتهدف إلى تحقيق رقابة فعالة على عمل إدارات الدولة ومؤسساتها المختلفة من أجل تطوير العمل الإداري، وحماية المال العام، وتحقيق الفعالية في الإنتاج، ورفع مستوى الكفاية والأداء، وتسهيل توفير الخدمات للمواطنين، وبذلك تكون هذه الهيئة جهازاً إدارياً يمارس رقابة إدارية.
وبغض النظر عن آليات عمل الهيئة بما لها وما عليها، فإن الترجمة العملية على مستوى تعزيز عمل المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، بحسب «الوثيقة» الحكومية أعلاه، تمثلت بتقييد عمل هذه الهيئة بدلاً من دعمها!
وبهذا الصدد، ربما تجدر الإشارة إلى أنه من إنجازات وزارة التنمية الإدارية خلال السنين الماضية، وفي معرض دورها على مستوى إعادة هيكلة الوزارات والجهات العامة، أنها ألغت مديريات الرقابة الداخلية في الجهات العامة، والتي كانت كادراتها الرقابية تتبع بعملها التفتيشي للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وتعمل بحسب قانونها، واستعاضت عنها بدوائر تتبع إدارياً للجهاز التنفيذي الحكومي مباشرة (مكتب وزير- مكتب مدير عام)، والنتيجة الموضوعية من ذلك، هي تقليص دور وفاعلية الأجهزة الرقابية في الجهات العامة.
وعلى الرغم من بعض الاعتراضات على هذا الإجراء، من قبل بعض أصحاب الشأن والاختصاص، إلا أن الأمر تم وانقضى أمره!
فإذا كان ما سبق أعلاه هو إحدى الخطوات المنجزة لتنفيذ «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» على مستوى إحدى المؤسسات المعنية بهذا الشأن، فلكم أن تتوقعوا بقية الخطوات!
عجز السياسات الفاسدة
دون الخوض بالكثير من التفاصيل الإضافية، فمن المفروغ منه، بداية ونهاية، أن سياسات الأجور المجحفة لوحدها كمثال كانت كفيلة بتوسيع وتعميق ظاهرة الفساد، بعلم ودراية وإدارة حكومية تامة، وبالتوازي مع بقية السياسات وموبقاتها، فإن أي حديث جدي عن مكافحة الفساد سيتم تأريضه، بل ووأده في مهده!
فأين أصبح مشروع قانون «الكشف عن الذمم المالية»، أو قانون «الكسب غير المشروع»، الذي يلزم كبار موظفي الدولة بالإفصاح عن ممتلكاتهم، بحسب ما رشح عنه من تفاصيل في عام 2019، وعن وزارة التنمية الإدارية نفسها، مع الكثير من الحديث عنه وتسويقه، مثلاً؟!
فالأخبار التي يتم تصديرها بين الحين والآخر عن ضبط بعض الفاسدين الصغار هنا وهناك، مع عدم التقليل من أهميتها طبعاً، ليست إلا ذراً للرماد في العيون، بغاية إبعاد الأنظار عن الفساد الكبير، المتحكم بالبلاد والعباد، نهباً واستغلالاً ونفوذاً.
وبكل اختصار، فإن السياسات الفاسدة عاجزة عن مكافحة الفساد، ولا رهان عليها بهذا الشأن!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1084