سياسات الوأد الزراعي... حكاية مستمرة
نادين عيد نادين عيد

سياسات الوأد الزراعي... حكاية مستمرة

يزداد تضييق الخناق على معيشة المواطن السوري على كافة الأصعدة، وفق استراتيجية مدروسة عبر توجيه ضربات عدة ومتوالية على أدوات ووسائل ومستلزمات الإنتاج الوطني بأشكاله المختلفة...

ويُعد ارتفاع أسعار الأسمدة، الذي أكده مصدر في وزارة الزراعة يوم 17 آب الجاري بحسب بعض المواقع الاعلامية، بمثابة صفعة إضافية قوية قد وجهتها الحكومة لما تبقى من إنتاج زراعي، ليكون الرفع السعري الأخير بمثابة إعلان وأدٍ للإنتاج الزراعي الوطني...
فقد كشف المصدر، ارتفاع سعر سماد اليوريا ليصل سعر الطن إلى 2,4 مليوني ليرة، بعدما كان سعره 1,3 مليون ليرة، أي وصلت نسبة الزيادة حوالي 85%، وعن ذرائع هذا الوأد الزراعي، كشف المصدر أنه تم بناءً على ارتفاع قيم تأمين وشراء هذه المادة.

المصاعب نتيجة حكومية

يعاني القطاع الزراعي من مصاعب عدة أدت إلى توقف تقدمه منذ سنوات طويلة، حتى بدأ يتراجع ويسجل المزيد من التراجع، وليجد المزارع نفسه ضمن حلقة مفرغة من الصعوبات، أسست لها الحكومة عبر سياسات تخفيض الدعم عن الزراعة حتى إنهائه، لتضع تلك السياسات المزارع أمام خيار العزوف عن الزراعة والإنتاج الزراعي، والاغتراب عن الأرض التي ورثها عن أجداده، بعدما بدأ يسجل خسارات متزايدة موسماً وراء الآخر.
حيث تواجه المزارع صعوبات كثيرة تبدأ منذ اليوم الأول للتحضير للموسم الزراعي عبر الحصول على البذار المناسبة لزراعتها، إلى كلف الحراثة وفلاحة الأرض المرتفعة، بالإضافة لتكاليف المبيدات والسماد الذي يحتاجه طيلة فترة الموسم، إلى تكاليف الري المرتبطة بالمازوت الذي يتم تأمينه غالباً عبر السوق السوداء وبسعرها الاستغلالي، وليس انتهاءً بعمليات حصاد الموسم، والطامة الكبرى في عمليات تسويقه المتحكم بها من قبل التجار.

مسيرة خنق الأسمدة

تبنت الحكومة خلال عقد ونيف سياسة تخفيض الدعم حتى إنهائه، بما في ذلك دعم القطاعات الإنتاجية، الزراعية والصناعية والحرفية.
ففي قضية الأسمدة الزراعية، ووفقاً لتصريح سابق لرئيس مكتب شؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين مطلع نيسان 2022، فإن أسعار السماد ارتفعت بنسبة 100% بذريعة الأزمة الأوكرانية، ولنشهد الآن هذا الرفع السعري الجديد والكبير.
فلم تعد موضوعة ارتفاع الأسعار هي المشكلة الوحيدة، بل تعدت ذلك لتقوم الحكومة يوم 1 تشرين الأول بإصدار تعميم يقضي بإيقاف بيع الأسمدة بالسعر المدعوم واعتماد بيعه وفق الأسعار الرائجة، وليس وفق سعر التكلفة.
ووفقاً للتعميم، لم يعد للمصرف الزراعي بتوفير الأسمدة دور ذو ضرورة لعدم تشكيله فارقاً إيجابياً بالنسبة للمزارع، فقد بات يوفرها وفق السعر الرائج، كما كبار تجار السوق والمحتكرين لهذه المادة، وفق الأسعار الرائجة، لتحقيق المزيد من الأرباح لجيوبهم، وهذا ما يحصل بالضبط!
فارتفاع سعر طن سماد اليوريا الآن بمقدار مليون ومئة ألف ليرة دفعة واحدة مثال مباشر على تحكم قوى الفساد والاحتكار بأسعار السوق، وبمباركة حكومية، بعد أن تخلت عن دورها بدعم المزارع.
ووفقاً للأسعار الجديدة، لن يستطيع الفلاح مجابهة هذا الغلاء وتوفير المادة لتسميد الأرض، خصوصاً أن نسب تأمينها عبر المصرف الزراعي لا تغطي سوى 40% من الحاجة الفعلية، ما يدفع المزارع كما كل عام للجوء إلى السوق السوداء لتغطية حاجته من الأسمدة، وبأسعارها الفاحشة، مع عدم ضمان جودتها وفاعليتها أيضاً!
ما سبق، يعني بالضرورة أن سياسة وأد الزراعة قد نجحت خطتها، وخلال العام المقبل ستنحسر مساحة الأراضي المزروعة، وبالتالي، ستتراجع الإنتاجية الزراعية عن العام الفائت بلا شك، لما للأسمدة من دور كبير في إنجاح الموسم، خصوصاً للمحاصيل الاستراتيجية، ما يعني المزيد من الخسارات والإفقار والعجز في ظل التراجع المستمر وما سينتج عنه من ارتفاع أسعار، وما سينتج عن كل ذلك بالنتيجة من استكمال التضحية بالأمن الغذائي!

هل من حلول؟

من المعروف أن أحد أهم أسس تنمية الإنتاج الزراعي، لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالحد الأدنى، تقديم الدعم حكومي بكافة أشكاله لمستلزمات الإنتاج، ودونه من المحال أن تنهض الزراعة، أو تستمر بالحد الأدنى، وأحد تلك الأشكال الواجب العمل عليها لإعادة إحياء الزراعة وإنقاذ ما تبقى منها، العمل الجدي على تبدية مصلحة الوطن والمواطن على مصلحة قوى الفساد والنهب، التي اتخمت معدتها من جوع الغالبية المفقرة، عبر العمل بداية على إنتاج بعض المواد الأولية التي تدخل في عملية الإنتاج الزراعي محلياً، كخطوة أولى، ومنها: الأسمدة الزراعية والأعلاف... إلخ، مما يوفر على خزينة الدولة القطع الأجنبي لقاء عمليات استيرادها، عدا عن تحكم حيتان الاستيراد الكبار بأسعار تلك المواد في السوق، بذرائع حفظناها جميعاً ومللنا منها، والتي باتت شماعة تعلق عليها كافة الموبقات لتحقيق المزيد من النهب، ومن ثم يأتي دور العمل التسويقي للمحاصيل وبأسعار مجزية لتغطية احتياجات السوق المحلية، والعمل على تصدير الفائض منها، بعيداً عن عوامل الاستغلال التي يفرضها حيتان المتحكمين بالأسواق أيضاً.
لكن ذلك لم ولن يتم طالما استمرت الحكومة بنفس السياسات والنهج التدميري للإنتاج عموماً، وبما يضمن استمرارية سيطرة ونفوذ قوى النهب والفساد على مقدرات البلاد، فالحلول ممكنة وموجودة، لكنها تحتاج إلى إرادة وقرار سياسي قبل أي شيء آخر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1084
آخر تعديل على الأربعاء, 24 آب/أغسطس 2022 21:29